للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها. وعبر عن اعتبارها بالنسبة إلى استعداد ما ذكر من السموات وغيرها، بالعرض عليهنّ، لإظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهنّ لها- وعن عدم استعدادهنّ لقبولها، بالإباء والإشفاق منها، لتهويل أمرها وتربية فخامتها- وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها، بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية، التي أشدها وأعظمها ما فيهنّ من القوة والشدة. والمعنى: أن تلك الأمانة في عظم الشأن، بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام، التي هي مثل في القوة والشدة، مراعاتها، وكانت ذات شعور وإدراك، لأبين قبولها وأشفقن منها.

ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق، روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه. وقوله تعالى: وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي عند عرضها عليه. إما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده، أو بتكليفه إياها يوم الميثاق- أي تكلفها والتزمها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة- وهو إما عبارة عن قبوله لها بموجب استعداده الفطريّ، أو عن اعترافه بقوله (بلى) . وقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا اعتراض وسط بين الحمل وغايته، للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما عهده وتحمله- أي أنه كان مفرطا في الظلم، مبالغا في الجهل. أي بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة. أو اعترافهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله تبديلا. وإلى الفريق الأول أشير بقوله عز وجل:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٧٣]]

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)

لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ أي حملها الإنسان ليعذب الله بعض أفراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة. على أن اللام للعاقبة. فإن التعذيب وإن لم يكن غرضا له من الحمل، لكن لما ترتب عليه بالنسبة إلى بعض أفراده، ترتب الأغراض على الأفعال المعللة بها، أبرز في معرض الغرض- أي كان عاقبة حمل الإنسان لها أن يعذب الله تعالى هؤلاء من أفراده لخيانتهم الأمانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية. وإلى الفريق الثاني أشير بقوله تعالى وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ أي كان عاقبة حمله لها أن يتوب الله تعالى على هؤلاء من أفراده. أي يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة. وتلافيهم لما

<<  <  ج: ص:  >  >>