للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين تعالى من أخبار بعض الكافرين بنعمه، إثر بيان أحوال الشاكرين لها، ما فيه عظة واعتبار، بقوله سبحانه:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة سبإ (٣٤) : آية ١٥]]

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥)

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ اسم لأبي قبيلة. وقد قرئ بمنع الصرف على أنه اسم لها فِي مَسْكَنِهِمْ أي في مواضع سكناهم، وهي باليمن يقال لها (مأرب) كمنزل من بلاد الأزد، في آخر جبال حضرموت. وكانت في الزمن الأول قاعدة التبابعة، فإنها مدينة بلقيس، بينها وبين صنعاء نحو أربع مراحل. وقرئ مساكنهم آيَةٌ على قدرته تعالى ومجازاته المسيء جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ أي جماعتان من البساتين عن يمين بلدهم وشمالها. أو لكل واحد جنتان عن يمين مسكنه وشماله: قيل لهم كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ أي بصرف ما أنعم به عليكم إلى ما خلق لأجله.

ثم بين ما يوجب الشكر المأمور به، بقوله سبحانه: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ أي لطيفة جميلة مباركة لا عاهة فيها وَرَبٌّ غَفُورٌ أي لمن شكره.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة سبإ (٣٤) : آية ١٦]]

فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦)

فَأَعْرَضُوا أي عن الشكر فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي سيل الأمر العرم، أي الصعب والمطر الشديد- أو الوادي- أو السّكر الذي يحبس الماء- أو هو البناء الرصين المبنيّ بين الجبلين لحفظ ماء الأمطار وخزنها. وقد ترك فيه أثقاب على مقدار ما يحتاجون إليه في سقيهم، فلما طغوا أهلكهم الله بخراب هذا البناء، فانهال عليهم تيار مائه، فأغرق بلادهم وأفسد عمرانهم وأرضهم. واضطر من نجا منهم للنزوح عنها. كما قال تعالى: وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ أي ثمر مرّ، أو بشع لا يؤكل وَأَثْلٍ شجر يشبه الطرفاء من شجر البادية لا ثمر له وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ وهو شجر النبق. أي قلة لا تسمن ولا تغني من جوع. فهذا تبديل النعم بالنقم. لمن لم يشكر النعم، كما قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>