للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعذبهم في الآخرة على تقدير وقوعها. وتوهما بأنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم. ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم. وقد أبطل الله تعالى حسبانهم ذلك بقوله:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٦]]

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦)

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي يضيق عليه حسب ما اقتضته حكمته ومشيئته في عباده، من يحب ومن لا يحب، وهو أعلم بمقتضياته وشؤونه.

فلا يقاس على ذلك أمر الثواب والعذاب، اللذين مناطهما الطاعة وعدمها. ولذا قال وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك. فيزعمون أن مدار البسط الكرامة، والتضييق الهوان. ويجهلون أن مناط الفوز والقرب منه تعالى، إنما هو الكمالات النفسية، وذلك بصدق الإيمان وحسن الاتباع. كما قال:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة سبإ (٣٤) : آية ٣٧]]

وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧)

وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى أي بالمزية التي تقربكم قربة. ف زُلْفى محلها النصب إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ أي الثواب المضاعف بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ أي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ومن نظائر الآية قوله تعالى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: ٥٥- ٥٦] ، وقوله سبحانه: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ [التوبة: ٥٥] .

وروى الإمام أحمد «١» ومسلم «٢» عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.


(١) أخرجه في المسند ٢/ ٢٨٥.
(٢) أخرجه في: البر والصلة والآداب، حديث رقم ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>