للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: أما المرفوع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فيها، فلم يأت من طريق صحيح، وأما الموقوف من ذلك على الصحب والأتباع رضي الله عنهم، فمعوّلهم في ذلك ما ذكر في التوراة من هذا النبأ، أو الثقة بمن حكى عنها. وينبني على ذلك ذهابهم إلى تجويز مثل هذا على الأنبياء. وقد ذهبت طائفة إلى تجويز ما عدا الكذب في التبليغ.

كما فصّل في مطولات الكلام.

قال ابن حزم رحمه الله: وهو قول الكرامية من المرجئة. وابن الطيّب الباقلانيّ من الأشعرية، ومن اتبعه. وهو قول اليهود والنصارى. ثم رد هذا القول، رحمه الله، ردّا متينا.

وأما المذهب الثاني، فهو ما جزم به ابن حزم في (الفصل) وعبارته: ما حكاه تعالى عن داود عليه السلام قوله صادق صحيح، لا يدل على شيء مما قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولّدها اليهود. وإنما كان ذلك الخصم قوما من بني آدم، بلا شك، مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم. بغى أحدهما على الآخر على نصّ الآية. ومن قال إنهم كانوا ملائكة معرّضين بأمر النساء، فقد كذب على الله عزّ وجلّ، وقوله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذّب الله عز وجل وأقر على نفسه الخبيثة، أنه كذّب الملائكة. لأن الله تعالى يقول:

وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ فقال هو: لم يكونوا قط خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قط لأحدهما تسع وتسعون نعجة، ولا كان للآخر نعجة واحدة، ولا قال له أكفلنيها فاعجبوا. لم يقحمون فيه الباطل أنفسهم؟ ونعوذ بالله من الخذلان، ثم كل ذلك بلا دليل، بل الدعوى المجرّدة. وتالله! إن كل امرئ منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره، ثم يعرّض زوجها للقتل عمدا، ليتزوجها.

وعن أن يترك صلاته لطائر يراه. هذه أفعال السفهاء المتهوّكين الفسّاق المتمردين. لا أفعال أهل البرّ والتقوى. فكيف برسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أوحى إليه كتابه وأجرى على لسانه كلامه؟ لقد نزّهه الله عزّ وجلّ عن أن يمر مثل هذا الفحش بباله. فكيف أن يستضيف إلى أفعاله؟ وأما استغفاره وخروره ساجدا، ومغفرة الله له، فالأنبياء عليهم السلام أولى الناس بهذه الأفعال الكريمة. والاستغفار فعل خير لا ينكر من ملك ولا من نبيّ. ولا من مذنب ولا من غير مذنب. فالنبيّ يستغفر الله لمذنبي أهل الأرض.

والملائكة كما قال الله تعالى: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غافر: ٧] .

وأما قوله تعالى عن داود عليه السلام وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ وقوله تعالى: فَغَفَرْنا

<<  <  ج: ص:  >  >>