للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: لا. قيل لها كرب؟ قالوا: لا. قيل لها رطب؟ قالوا: لا. قيل: فلها ساق؟ قالوا:

لا. قيل: فما في داركم نخلة. قلت: كذلك هؤلاء النفاة قالوا إلهنا الله تعالى. وهو لا في زمان ولا في مكان ولا يرى ولا يسمع، ولا يبصر ولا يتكلم، ولا يرضى ولا يريد، ولا ولا. وقالوا: سبحان المنزه عن الصفات. بل نقول: سبحان الله العظيم السميع المريد، الذي كلم موسى تكليما، واتخذ إبراهيم خليلا. ويرى في الآخرة، المتصف بما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، المنزه عن سمات المخلوقين وعن جحد الجاحدين. ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وقال الذهبي رحمه الله أيضا: مقال متأخري المتكلمين، أن الله تعالى ليس في السماء ولا على العرش ولا على السموات ولا في الأرض ولا داخل العالم ولا خارج العالم ولا هو بائن عن خلقه ولا متصل بهم. وقالوا: جميع هذه الأشياء صفات الأجسام والله تعالى منزه عن الجسم. قال لهم أهل السنة والأثر: نحن لا نخوض في ذلك ونقول ما ذكرناه اتباعا للنصوص ولا نقول بقولكم. فإن هذه السلوب نعوت للمعدوم. تعالى الله جلّ جلاله عن العدم. بل هو موجود متميز عن خلقه، موصوف بما وصف به نفسه، من أنه فوق العرش بلا كيف. انتهى.

وقال الإمام ابن تيمية في (الرسالة التدمرية) في القاعدة الأولى: إن الله سبحانه موصوف بالإثبات والنفي. فالإثبات كإخباره بأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه سميع بصير، ونحو ذلك. والنفي كقوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال، إلا إذا تضمن إثباتا. وإلا فجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال. لأن النفي المحض عدم محض. والعدم المحض ليس بشيء. وما ليس بشيء فهو كما قيل ليس بشيء، فضلا عن أن يكون مدحا أو كمالا. ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع. والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال. فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات مدح، كقوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، إلى قوله: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة: ٢٥٥] ، فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم وكذلك قوله: وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما أي لا يكرثه ولا يثقله. وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها. بخلاف المخلوق القادر، إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته. وكذلك قوله: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ [سبأ: ٣] ، فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السماوات

<<  <  ج: ص:  >  >>