للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحقاف (٤٦) : آية ١١]]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ أي: الإيمان، أو ما أتى به الرسول خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ أي: لو كان من عند الله لكنا أولى به، كسائر الخيرات من المال والجاه.

قال ابن كثير: يعنون بلالا وعمارا وصهيبا وخبابا رضي الله عنهم، وأشباههم وأضرابهم من المستضعفين والعبيد والإماء. وما ذاك إلّا لأنّهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة، وله بهم عناية. وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا، وأخطئوا خطأ بيّنا، كما قال تعالى: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا [الأنعام: ٥٣] أي: يتعجبون كيف اهتدى هؤلاء دوننا، ولهذا قالوا: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ، وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم: هو بدعة. لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.

انتهى. وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ أي: بالقرآن فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ أي: كذب قديم، كما قالوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. قال ابن كثير: فيتنقصون القرآن وأهله، وهذا هو الكبر الذي

قال «١» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بطر الحق وغمط الناس.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الأحقاف (٤٦) : آية ١٢]]

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أي: قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه، ورحمة لمن آمن به، وعمل بما فيه. وَهذا أي الذي يقولون فيه ما يقولون كِتابٌ مُصَدِّقٌ


(١)
أخرجه الترمذي في: البر والصلة، ٦١- باب ما جاء في الكبر ونصه: عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. ولا يدخل النار (يعني من في قلبه مثقال ذرة من إيمان) .
قال، فقال له رجل: إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنة.
قال: إن الله يحب الجمال. ولكن الكبر من بطر الحق وغمص الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>