للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديبية. روى البخاريّ «١» عن البراء رضي الله عنه قال: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان، يوم الحديبية) .

وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: نزلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ مرجعه من الحديبية. قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد أنزلت عليّ آية أحب إليّ مما على الأرض» ، ثم قرأها عليهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- أخرجاه في الصحيحين «٢» من رواية قتادة به-.

وروى الإمام أحمد «٣» عن مجمّع بن جارية الأنصاريّ رضي الله عنه- وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن- قال: شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها، إذا الناس ينفرون الأباعر. فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرجنا مع الناس نرجف، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على راحلته عند كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه، فقرأ عليهم إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.

قال، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي رسول الله! أو فتح هو؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: أي والذي نفس محمد بيده! إنه لفتح. ورواه أبو داود في الجهاد.

ثم قال ابن كثير: فالمراد بقوله إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً- أي بينا ظاهرا- هو صلح الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان. انتهى.

وقال الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) في الكلام على ما في غزوة الحديبية من الفقه واللطائف، ما مثاله:

كان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به، وكلّم بعضهم بعضا، وناظره في الإسلام، وتمكّن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه، والدعوة إليه، والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام. ولهذا سماه الله فتحا في قوله إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً نزلت في الحديبية، فقال عمر:

يا رسول الله! أو فتح هو؟ قال: نعم. وأعاد سبحانه ذكر كون ذلك فتحا قريبا. وهذا شأنه سبحانه أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها،


(١) أخرجه البخاري في: المغازي، ٣٥- باب غزوة الحديبية، حديث ١٦٨٦.
(٢) أخرجه مسلم في: الجهاد، حديث ٩٧.
(٣) أخرجه في المسند ٣/ ٤٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>