للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي أوفى: كنا ألفا وثلاثمائة. وعن جابر فيهما «١» : كانوا ألفا وأربعمائة- والقلب إلى هذا أميل- وهو قول البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع. ثم لما كانوا بذي الحليفة قلّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الهدي وأشعر وأحرم بالعمرة، وبعث عينا له بين يديه من خزاعة، يخبره عن قريش، حتى إذا كان قريبا من عسفان، أتاه عينه فقال: إني تركت كعب بن لؤيّ، قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت. واستشار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصحابه وقال: أترون أن نميل إلى ذراريّ هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها الله؟ أم ترون أن نؤم البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه؟ قال أبو بكر: الله ورسوله أعلم! إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد. ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فروحوا إذن. فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش، فخذوا ذات اليمين، فو الله! ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بعترة الجيش. فانطلق يركض نذيرا لقريش. وسار النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا كان بالثنيّة التي يهبط عليهم، بركت راحلته. فقال الناس: حل حل، فألحّت: فقالوا: خلأت القصواء! خلأت القصواء! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل! ثم قال: والذي نفسي بيده! لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتموها. ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا، فلم يلبث الناس أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوها فيه. قال، فو الله! ما زال يجيش لهم بالريّ، حتى صدروا عنه. وفزعت قريش لنزوله عليهم، فأحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يبعث إليهم رجلا من أصحابه، فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم، فقال: يا رسول الله! ليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها، وإنه مبلغ ما أردت، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن عفان، فأرسله إلى قريش وقال: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمّارا، وادعهم إلى الإسلام. وأمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيدخل عليهم، ويبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجلّ مظهر دينه بمكة، حتى لا يستخفي فيها بالإيمان. فانطلق عثمان، فمر على قريش ببلدح، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام، ونخبركم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمّارا. فقالوا:


(١) أخرجه البخاري في: المغازي، ٣٥- باب غزوة الحديبية، حديث ١٦٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>