للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التجددي. والضمير للقرآن، لفهمه من السياق، ولأن كلام المنكرين كان في شأنه.

وأرجعه بعضهم إلى ما ينطق به مطلقا. واستدل على أن السنن القولية من الوحي، وقوّاه بما في (مراسيل) أبي داود عن حسان بن عطية قال: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسنة، كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها، كما يعلمه القرآن، واستدل أيضا على منع الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم. والصواب هو الأول. أعني: كون مرجع الضمير للقرآن، لما ذكرنا، فإنه ردّ لقولهم (افتراه) والقرينة من أكبر المخصصات.

وجلىّ أنه صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول بالرأى في أمور الحرب، وأمور أخرى. فلا بد من التخصيص قطعا، وبأنه لا قوة في المراسيل، لما تقرر في الأصول. وبأن الآية لا تدل على منع الاجتهاد المذكور، ولو أعيد الضمير لما ينطق مطلقا. لأن الله تعالى إذا سوغ له الاجتهاد، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحيا، لا نطقا عن الهوى. لأنه بمنزلة أن يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (متى ما ظننت كذا فهو حكمي) أي كل ما ألقيته في قلبك فهو مرادي، فيكون وحيا حقيقة، لاندراجه تحت الإذن المذكور، لأنه من أفراده. فما قيل عليه من أن الوحي الكلام الخفيّ المدرك بسرعة، فلا يندرج فيه الحكم الاجتهاديّ إلا بعموم المجاز. مع أنه يأباه قوله: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النجم: ٥] ، غير وارد عليه، بعد ما عرفت من تقريره- نقله في (العناية) عن (الكشف) - وتفصيل المسألة في مطولات الأصول.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (٥٣) : آية ٥]]

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥)

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى أي علم محمدا صلى الله عليه وسلم ملك شديد قواه، يعني جبريل عليه السلام. كما قال: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ [التكوير: ١٩- ٢٠] ، والْقُوى جمع قوة، بضم القاف. ومن العرب من يكسرها كالرّشا بكسر الراء في جمع رشوة بضمها والحبا في جمع حبوة- نقله ابن جرير.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النجم (٥٣) : الآيات ٦ الى ٧]

ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧)

ذُو مِرَّةٍ بكسر الميم. أي متابة وإحكام في علمه، لا يمكن تغيّره ونسيانه.

والعرب تقول لكل قويّ العقل والرأي ذُو مِرَّةٍ من (أمررت الحبل) إذا أحكمت فتله فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى قال الزمخشريّ: فاستقام على صورة نفسه الحقيقة، دون الصورة التي كان يتمثل بها، كلما هبط بالوحي. وكان ينزل في صورة دحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>