للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ يعني ما كبر الوعيد عليه من المناهي وَالْفَواحِشَ يعني ما فحش منها. والعطف إما من عطف أحد المترادفين أو الخاص على العام إِلَّا اللَّمَمَ أي الصغائر من الذنوب. ومثّله أبو هريرة بالقبلة والغمزة والنظرة- فيما رواه ابن جرير- وأصل معناه: ما قل قدره. ومنه: لمة الشّعر، لأنها دون الوفرة. وقيل: معناه الدنو من الشيء دون ارتكاب له. والاستثناء منقطع على ما ذكر. أي إلا اللمم بما دون الكبائر والفواحش، فإنه عفو. وقيل: متصل، والمراد مطلق الذنوب. وقيل: إنه لا استثناء فيه أصلا. و (إلا) صفة بمعنى غير- وتفصيله في (العناية) -.

وحكى ابن جرير عن ابن عباس وغيره أن معنى (اللمم) ما قد سلف لهم مما ألموا به من الفواحش والكبائر في الجاهلية قبل الإسلام، وغفرها لهم حين أسلموا.

وعن ابن عباس أيضا قال: هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب ولا يعود.

قال:

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن تغفر اللهم تغفر جمّا ... وأيّ عبد لك لا ألمّا

وقال الحسن: (اللمم) أن يقع الوقعة ثم ينتهي. وكل هذا ما يتناوله اللفظ الكريم والأقوى في معناه هو الأول. ولذا استدل بالآية على تكفير الصغائر باجتناب الكبائر كما قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: ٣١] .

إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ قال ابن جرير: أي واسع عفوه للمذنبين الذين لم تبلغ ذنوبهم الفواحش وكبائر الإثم هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ قال ابن جرير: أي أحدثكم منها بخلق أبيكم آدم منها وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ أي حيثما يصوركم في الأرحام فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ أي تشهدوا لها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي. والمراد به الثناء تمدحا أو رياء هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى أي بمن اتقاه فعمل بطاعته، واجتنب معاصيه وأصلح. وهذا كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء: ٤٩] .

وفي الصحيحين «١» عن أبي بكرة قال: مدح رجل رجلا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال


(١) أخرجه البخاري في: الأدب، ٩٥- باب ما جاء في قول الرجل ويلك، حديث رقم ١٢٩٣.
وأخرجه مسلم في: الزهد والرقائق، حديث ٦٥ و ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>