للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لا يثبت لهم الحياة التي بها النموّ والغذاء، ولا الحياة التي بها الحس. فإن فقدانهما عن الميت محسوس ومعقول. فبعض المفسرين اعتبر الحياة المختصة بالإنسان. وقال: إن هذه الحياة مخصصة بالقوة المسماة تارة الروح وتارة النفس.

قال: والموت المشاهد هو مفارقة هذه القوة، التي هي الروح. البدن. فمتى كان الإنسان محسنا كان منعّما بروحه مسرورا لمكانه إلى يوم القيامة. وإن كان مسيئا كان به معذبا. وإلى هذا ذهب الحكماء ودلوا عليه بالبراهين والأدلة. وهو مذهب أصحاب الحديث. ويدل على صحته الأخبار والآيات المروية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. بل إليه ذهب أصحاب الملل كلها. ومما دل على صحته خبرا

«الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف» «١»

وما

روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام» «٢»

وروي أنه لما قتل من قتل من صناديد قريش- يوم بدر- وجمعوا في قليب، أقبل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فخاطبهم بقوله «هل وجدتم ما وعد ربكم حقّا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا» قيل: يا رسول الله! أتخاطب جيفا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع منهم، ولو قدروا لأجابوا»

إلى غير ذلك من الأخبار. وقال تعالى في آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وهذا يعني به قبل يوم القيامة، لأنه قال في آخر الآية وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر: ٤٦] . انتهى.

وفي البيضاويّ وحواشيه: «إن إثبات الحياة للشهداء في زمان بطلان الجسد، وفساد البنية، ونفي الشعور بها- دليل على أنّ حياتهم ليست الجسد، ولا من جنس حياة الحيوان، لأنها بصحة البنية، واعتدال المزاج وإنما هي أمر يدرك بالوحي لا بالعقل» انتهى.

وقد جاء الوحي ببيان حياتهم- كما أسلفنا- قال الإمام ابن القيم رحمه الله


(١) أخرجه البخاريّ في: الأنبياء، ٢- باب الأرواح جنود مجندة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول ... حديث ١٥٧٦.
(٢)
أخرجه مسلم في صحيحه في: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث ٧٧ ونصه: عن أنس بن مالك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترك قتلى بدر ثلاثا. ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال «يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا» . فسمع عمر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! كيف يسمعوا وأنَّى يجيبوا وقد جيّفوا؟ قال «والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم. ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا» . ثم أمر فسحبوا. فألقوا في قليب بدر
.

<<  <  ج: ص:  >  >>