للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتظاهر، يتقوى ويتأيد بعضها بالبعض فيما هو سبب الاجتماع لخاصية الهيئة الاجتماعية التي لا توجد في الأفراد. فإذا كانت شريرة يتناجون في الشر، ويزاد فيهم الشر، ويقوى فيهم المعنى الذي يتناجون به بالاتصال والاجتماع، ولهذا ورد بعد النهى قوله: وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ الذي هو رذيلة القوى البهيمية وَالْعُدْوانِ الذي هو رذيلة القوى الغضبية، وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ التي هي رذيلة القوة النطقية، بالجهل وغلبة الشيطنة، ألا ترى كيف نهى المؤمنين بعد هذه الآية عن التناجي بهذه الرذائل المذكورة، وأمرهم بالتناجي بالخيرات، ليتقووا بالهيئة الاجتماعية، ويزدادوا فيها فقال: وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ أي: الفضائل التي هي أضداد تلك الرذائل، من الصالحات والحسنات المخصوصة بكل واحدة من القوى الثلاث، وَالتَّقْوى أي:

الاجتناب عن أجناس الرذائل المذكورة، انتهى.

قال ابن كثير: وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي، حيث يكون في ذلك تأذّ على مؤمن.

روى الإمام أحمد «١» عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه- أخرجاه «٢» -.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناج اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه- انفرد بإخراجه مسلم «٣» -.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المجادلة (٥٨) : آية ١١]]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ تعليم منه تعالى للمؤمنين بالإحسان في أدب المجالس، وذلك بأن يفسح المرء لأخيه ويتنحّى توسعة له.

قال الشهاب: وارتباطه بما قبله ظاهر. لأنه لما نهى عن التناجي والسرار، علم


(١) أخرجه في مسنده ١/ ٣٧٥.
(٢) أخرجه البخاري في: الاستئذان، ٤٦- باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارّة والمناجاة، حديث رقم ٢٣٨١.
وأخرجه مسلم في: السلام، حديث رقم ٣٧.
(٣) أخرجه مسلم في: السلام، حديث رقم ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>