للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني بني النضير من اليهود مِنْ دِيارِهِمْ أي مساكنهم التي جاوروا بها المسلمين حول المدينة، لطفا بهم لِأَوَّلِ الْحَشْرِ أي لأول الجمع لقتالهم. يعني أخرجهم تعالى بقهره لأول ما حشر لغزوهم. والتوقيت به إشارة إلى شدة الأخذ الرباني لهم، وقوة البطش والانتقام، بقذف الرعب في قلوبهم، حتى اضطروا لأول الهجوم عليهم، إلى الجلاء والفرار، كما يأتي.

ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا أي لشدة بأسهم ومنعتهم، فصار آية لكم، لأنه من آثار سنته تعالى في إذلال المفسدين وقهرهم. وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ أي من بأسه فَأَتاهُمُ اللَّهُ أي عذابه، وهو الرعب والاضطرار إلى الجلاء مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا أي لم يظنوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي أنزله إنزالا شديدا فيها، لدلالة مادة (القذف) عليه، كأنه مقذوف الحجارة.

قال القاشاني: أي نظر بنظر القهر إليهم فتأثروا به، لاستحقاقهم لذلك، ومخالفة الحبيب ومشاقته ومضادته، ولوجود الشك في قلوبهم، وكونهم على غير بصيرة من أمرهم، وبينة من ربهم، إذ لو كانوا أهل يقين ما وقع الرعب في قلوبهم، ولعرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنور اليقين، وآمنوا به فلم يخالفوه.

يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ أي كيف حل بالمفسدين ما حل ونزل بهم ما نزل، لتعلموا صدق الله في وعده ووعيده.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحشر (٥٩) : الآيات ٣ الى ٤]

وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤)

وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ أي الخروج من أوطانهم لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا أي بالقتل والسبي، كما فعل بإخوانهم بني قريظة. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ ذلِكَ أي الجلاء والعذاب بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا أي خالفوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي فيما نهاهم عنه من الفساد، ونقض الميثاق. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ أي له في الدنيا والآخرة.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الحشر (٥٩) : آية ٥]]

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>