للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين. وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة. ولهذا كان أمر أبي العاص بن الربيع، زوج ابنة النبيّ صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها. وقد كانت مسلمة، وهو على دين قومه. فلما وقع في الأسارى يوم بدر، بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة. وقال للمسلمين: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا، ففعلوا

، فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه، فوفى بذلك، وصدقه فيما وعده، وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه. فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر، وكانت سنة اثنتين، إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان، فردها عليه بالنكاح الأول، ولم يحدث لها صدقا، ومنهم من يقول بعد سنتين، وهو صحيح، لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين، انتهى. وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا قال ابن جرير: أي وأعطوا المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات، إذا علمتموهن مؤمنات، فلم ترجعوهن إليهم، ما أنفقوا في نكاحهم إياهن من الصداق وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أي هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب، مفارقات لأزواجهن، وإن كان لهن أزواج إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي مهورهن. قال ابن زيد: لأنه فرق بينهما الإسلام إذا استبرأت أرحامهن.

ثم أشار إلى أنه، كما بطل نكاح المؤمنة على الكافر، بطل نكاح الكافرة على المسلم. بقوله: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ أي بعقودهن التي يتمسك بها في الاستحلال.

قال ابن جرير: يقول جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهن. والْكَوافِرِ جمع كافرة.

و (العصم) : جمع عصمة، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب. وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن الإقدام على نكاح المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهن بفراقهن. ثم روي عن مجاهد قال: أمر أصحاب محمد بطلاق نسائهم كوافر بمكة قعدن مع الكفار.

وعن الزهري: لما نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلى قوله: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأتين كانتا له بمكة: ابنة أبي أمية، وابنة جرول. وطلحة بن عبيد الله بنت ربيعة، ففرق بينهما الإسلام، حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر، وكن ممن فرّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار، ممن لم يكن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فحبسها

<<  <  ج: ص:  >  >>