للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنساه. وإذا جعلناه نهيا كان معناه أن الله أمره بأن يواظب على الأسباب المانعة من النسيان وهي الدراسة والقراءة. وهذا ليس في البشارة وتعظيم حاله مثل الأول. ولأنه على خلاف قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

[القيامة: ١٦] انتهى.

الثالث: قال البرهان الشافعي في كتاب (تفضيل السلف على الخلف) .

إن بعضهم ذكر أن هذه الآية ناسخة لآية: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وتحقيق معنى النسخ هنا في غاية الإشكال، لأن قوله: وَلا تَعْجَلْ نهي عن العجلة، وقوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ليس بأمر بها ليكون ناسخا للنهي عنها. بل هو خبر عن بقاء الحفظ بعد إقرائه.

وفحواه مؤكد لمعنى الخطاب الآخر. لأن تأويله إنا نحفّظك تحفيظا لا تخاف معه النسيان. فلا حاجة لك إلى أن تعجل بالقرآن وتحرك به لسانك. ولكنهم سموه نسخا، لغة لا حقيقة. على معنى تبدل الحال عنه. فإنه ظهر له الأمن عن النسيان بعد خوفه أن ينساه لما كان يحرك به لسانه. انتهى.

وقوله تعالى: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء مفرغ من أعم المفاعيل. أي لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء، إلا ما شاء الله أن تنساه، مما تقتضيه الجبلة البشرية أحيانا.

قال الزجاج: إلا ما شاء الله أن ينسى فإنه ينسى. ثم يتذكر بعد ذلك ولا ينسى نسيانا كليّا دائما. وذلك لأن ما بالجبلة لا يتغير. وإلا لكان الإنسان عالما آخر.

وقد روى البخاري «١» عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله فلانا. لقد أذكرني كذا وكذا آية، كنت أسقطتهن. ويروى أنسيتهن.

وقال صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني. رواه الشيخان «٢» عن ابن مسعود.

وقيل: الاستثناء مجازي بمعنى القلة المراد بها النفي، وذلك أن المخرج في الاستثناء أقل من الباقي. ولأن (ما شاء الله) في العرف يستعمل للمجهول. فكأنه


(١) أخرجه في: الشهادات، ١١- باب شهادة الأعمى، حديث رقم ١٢٩٢.
(٢) أخرجه البخاري في: الصلاة، ٣١- باب التوجه نحو القبلة حيث كان، حديث رقم ٢٦٦ وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>