للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شدّة الزمان، فلا يكون عنده ما يقريه، ويشحّ أن ينحر راحلته، فيفصدها، فإذا خرج الدم سخّنه للضيف إلى أن يجمد ويقوى فيطعمه إيّاه. وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ويدخل شحمه وبقية أجزائه في حكم لحمه: إمّا تغليبا أو لأنّ اللحم يشمل ذلك لغة، لأنه ما لحم بين أخفى ما في الحيوان من وسط عظمه، وما انتهى إليه ظاهره من سطح جلده. وعرف غلبة استعماله على رطبه الأحمر. وهو هنا على أصله في اللغة. وإمّا بطريق القياس على رأي، لأنّه إذا حرّم لحمه الذي هو المقصود بالأكل- وهو أطيب ما فيه- كان غيره من أجزائه أولى بالتحريم. ولمّا حرّم ما يضرّ الجسم ويؤذي النفس، حرّم ما يرين على القلب، فقال وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أي: ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له. وأصل (الإهلال) رفع الصوت أي: رفع به الصوت للصنم ونحوه، وذلك كقول أهل الجاهلية: باسم اللات والعزّى.

وذكر القرطبيّ عن ابن عطية أنه نقل عن الحسن البصري أنّه سئل عن امرأة عملت عرسا للعبها، فنحرت فيه جزورا، فقال: لا تؤكل لأنها ذبحت لصنم. وذكر أيضا عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عمّا يذبحه العجم لأعيادهم فيهدون منه للمسلمين فقالت: ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا منه، وكلوا من أشجارهم.

والقصد سدّ ما كان مظنّة للشرك.

قال النوويّ في (شرح مسلم) : فإن قصد الذابح- مع ذلك- تعظيم المذبوح له، وكان غير الله تعالى- والعبادة له، كان ذلك كفرا. فإن كان الذابح مسلما. قبل ذلك، صار بالذبح مرتدّا. ذكره في الكلام على

حديث «١» عليّ رضي الله عنه: لعن الله من ذبح لغير الله.

قال الحراليّ: وذكر الإهلال إعلام بأنّ ما أعلن عليه بغير اسم الله هو أشدّ المحرم، ففي إفهامه تخفيف الخطاب عما لا يعلم من خفي الذكر.

وروى البخاريّ «٢» عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن قوما قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن قوما يأتوننا


(١)
أخرجه مسلم في: الأضاحيّ، حديث ٤٣ ونصه: عن أبي الطفيل، عمر بن واثلة قال: كنت عند عليّ بن أبي طالب، فأتاه رجل فقال: ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليك؟ قال فغضب وقال: ما كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسرّ إليّ شيئا يكتمه الناس. غير أنه قد حدثني بكلمات أربع. قال فقال: ما هن، يا أمير المؤمنين؟ قال: قال «لعن الله من لعن والده. ولعن الله من ذبح لغير الله. ولعن الله من آوى محدثا. ولعن الله من غيّر منار الأرض»
. (٢) أخرجه البخاريّ في: الذبائح والصيد، ٢١- باب ذبيحة الأعراب ونحوهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>