للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بفعل بني آدم فيتبع فيه العرف من حسابهم. بالأهلة أو بشهور الفرس. فهذا حكم، وذاك حكم آخر.

وقد ذكر تعالى هذا المعنى في آيات. كقوله سبحانه: وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [يونس: ٥] . وقوله: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ [الإسراء: ١٢] .

أي: من غير افتقار إلى مراجعة المنجّم وحساب الحاسب، رحمة منه تعالى وفضلا.

وإفراد «الحج» بالذكر هنا تنويها بشأنه.

وقال القفال: نكتة إفراده بيان أنّ الحج مقصور على الأشهر التي عينها الله تعالى لفرضه، وأنّه لا يجوز نقل الحجّ من تلك الأشهر إلى أشهر، كما كانت العرب تفعل ذلك في النسيء. والله أعلم.

والجمهور على فتح حاء (الحجّ) والحسن على كسرها في جميع القرآن. قال سيبويه هما مصدران كالردّ والذكر وقيل: بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم.

و (والأهلّة) جمع هلال. وجمعه باختلاف زمانه. وهو: غرّة القمر إلى ثلاث ليال أو سبع، ثمّ يسمّى قمرا، وليلة البدر لأربع عشرة.

قال أبو العباس: سمي الهلال هلالا لأنّ الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه، وسمي بدرا لمبادرته الشمس بالطلوع كأنّه يعجلها المغيب. ويقال: سمّي بدرا لتمامه وامتلائه. وكلّ شيء تمّ فهو بدر.

[تنبيه:]

الجواب على الرواية الثانية في سبب نزول الآية من الأسلوب الحكيم. وهو تلقّي السائل بغير ما يتطلب- بتنزيل سؤاله منزلة غيره، تنبيها للسائل على أن ذلك الغير هو الأولى بحاله أو المهم له. فلمّا سألوا عن السبب الفاعليّ للتشكلات النورية في الهلال، أجيبوا بما ترى من السبب الغائي. تنبيها على أنّ السؤال عن الغاية والفائدة هو أليق بحالهم. لأنّ درك الأسباب الفاعلية لتلك التشكلات مبنيّ على أمور من علم الهيئة لا عناية للشرع بها. فلو أجيبوا: بأنّ اختلاف تشكلات الهلال.

بقدر محاذاته للشمس، فإذا حاذاها طرف منه استنار ذلك الطرف. ثم تزداد المحاذاة والاستنارة حتى إذا تمت بالمقابلة امتلأ. ثمّ تنقص المحاذاة والاستنارة حتى إذا حصل الاجتماع أظلم بالكلية- لكان هذا الجواب اشتغالا بعلم الهيئة الذي لا ينتفع به في الدين، ولا يتعلق به صلاح معاشهم ومعادهم. والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنما بعث لبيان

<<  <  ج: ص:  >  >>