للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الراغب: قيل: أَتِمُّوا خطاب لمن خرج حاجا أو معتمرا، فأمر أن لا يصرف وجهه حتى يتمهما. وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله. واحتج به في وجوب إتمام كلّ عبادة دخل فيها الإنسان متنفلا. وأنه متى أفسدها وجب قضاؤها. وقيل:

إنه خطاب لهم ولمن لم يتلبس بالعبادة. وذكر لفظ الإتمام تنبيه على توفية حقها وإكمال شرائطها. وعلى هذا قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:

١٨٧] وإلى هذا ذهب الشافعيّ رحمه الله واحتجّ به في وجوب العمرة. وإنما قال في الحجّ والعمرة لِلَّهِ ولم يقل ذلك في الصلاة والزكاة، من أجل أنهم كانوا يتقربون ببعض أفعال الحجّ والعمرة إلى أصنامهم: فخصهما بالذكر لله تعالى حثا على الإخلاص فيهما، ومجانبة ذلك الاعتقاد المحظور.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ أي: حبسكم عدوّ عن تمام الحجّ أو العمرة وأردتم التحلل فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ أي فعليكم، أو فالواجب، أو فأهدوا ما استيسر يقال:

يسر الأمر واستيسر كما يقال: صعب واستصعب و (الهدي) بتخفيف الياء وتشديدها جمع هدية وهديّة. وهو ما أهدي إلى مكة من النعم لينحر تقربا به إلى الله. قال ثعلب: الهدي، بالتخفيف، لغة أهل الحجاز. والتثقيل، على فعيل، لغة بني تميم وسفلى قيس. وقد قرئ بالوجهين جميعا في الآية. وشاهد الهديّ مثقلا من كلامهم قول الفرزدق:

حلفت بربّ مكة والمصلّى ... وأعناق الهديّ مقلّدات

وشاهد الهدية كذلك قول ساعدة بن جؤيّة

إني وأيديهم وكل هدية ... مما تثج له ترائب تثعب

وأعلى الهدي بدنة. وأدناه شاة. والمعنى: أن المحرم إذا أحصر وأراد أن يتحلل، تحلل بذبح هدي تيسر عليه: من بدنة أو بقرة أو شاة.

[تنبيه:]

قال الراغب: ظاهر قوله تعالى أُحْصِرْتُمْ أنه لا فرق فيه بين أن يحصر بمكة أو بغيرها. وبعد عرفة أو قبلها. وكذلك لا فرق في الظاهر بين أن يحصره عدوّ مسلم أو غيره. وظاهره يقتضي أنه لا فصل بين إحصار العدوّ وإحصار المرض. لولا أن الآية نزلت في سبب العدوّ فلا يجوز أن تتعدى إلّا بدلالة. ولأنّ قوله فَإِذا أَمِنْتُمْ يدلّ على أن المراد بالإحصار هو بالعدوّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>