للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله لدنياهم لا لأخراهم، ويكون سؤالهم هذا من جملة الذنوب، حيث سألوا الله تعالى- في أعظم المواقف وأشرف المشاهد- حطام الدنيا وعرضها الفاني، معرضين عن سؤال النعيم الدائم في الآخرة..! ومعنى كونهم لا خلاق لهم في الآخرة، أي: إلّا أن يتوبوا، أو إلّا أن يعفو الله عنه، أو لا خلاق له في الآخرة كخلاق من سأل المولى لآخرته، والله أعلم. كذا يستفاد من الرازيّ.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٠١]]

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١)

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ جمعت هذه الدعوة كلّ خير في الدنيا والآخرة، وصرفت كلّ شرّ، فإن الحسنة في الدنيا. تشمل كلّ مطلوب دنيويّ- من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هيّن، وثناء جميل ... إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين- ولا منافاة بينها- فإنها كلّها مندرجة في الحسنة في الدنيا. وأمّا الحسنة في الآخرة: فأعلى ذلك رضوان الله تعالى ودخول الجنة، وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب ... وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة. وأمّا النجاة من النار: فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشبهات والحرام.

وقد ورد في السنة الترغيب في هذا الدعاء، فقد كان يقول صلّى الله عليه وسلّم كما رواه البخاريّ «١» عن أنس.

وروى الإمام أحمد «٢» : يسأل قتادة أنسا: أيّ دعوة كان يدعو بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: «اللهمّ ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» . وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه! ورواه مسلم «٣» .

وهذا لفظه.


(١)
أخرجه البخاريّ في: الدعوات، ٥٥- باب قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، حديث ١٩٧٤. ونصه: عن أنس قال: كان أكثر دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم: اللهم! ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣/ ١٠١. [.....]
(٣) أخرجه مسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>