للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ قال: الأيام المعدودات أيام التشريق.

وفي (القاموس وشرحه) : (التشريق) تقديد اللحم، ومنه سميت أيام التشريق وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، لأنّ لحوم الأضاحي تشرق فيها أي: تشرّر في الشمس- حكاه يعقوب. وقيل: سميت بذلك لقولهم: أشرق ثبير كيما نغير أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس- قاله ابن الأعرابيّ. قال أبو عبيد: وكان أبو حنيفة يذهب بالتشريق إلى التكبير، ولم يذهب إليه غيره.

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي: فمن تعجل النفر الأول من هذه الأيام الثلاثة، فلم يمكث حتى يرمي في اليوم الثالث، واكتفى برمي الجمار في يومين من هذه الأيام الثلاثة، فلا يأثم بهذا التعجيل. وإيضاحه: أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق. ليرمي كلّ يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة. يرمي عند كلّ جمرة سبع حصيات. ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويدع البيتوتة الليلة الثالثة ورمى يومها، فذلك واسع له وَمَنْ تَأَخَّرَ أي: حتى رمى في اليوم الثالث وهو النفر الثاني فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ في تأخّره، واعلم:

السنة هو التأخر. فإنه صلّى الله عليه وسلّم لم يتعجل في يومين بل تأخّر حتى أكمل رمي أيام التشريق الثلاثة. ولا يقال هذا اللفظ- أعني فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ- إنما يقال في حقّ المقصر لا في حقّ من أتى بتمام العمل، لأنّا نقول: أتى به لمشاكلة اللفظ الأول كقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: ٤٠] ، وقوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [البقرة: ١٩٤] ، ونحن نعلم أنّ جزاء السيئة والعدوان ليس بسيئة ولا عدوان. فإذا حمل على موافقة اللفظ ما لا يصح في المعنى- فلأن يحمل على موافقة اللفظ ما يصح في المعنى أولى. لأنّ المبرور المأجور يصح في المعنى نفي الإثم عنه- قاله الواحديّ.

وقال الراغب: رفع الإثم عن المتعجل والمتأخر على وجه الإباحة- أي كناية عنها- وقيل: رفع الإثم أنه حط ذنوبهما بإقامتهما الحجّ- تعجّل أو تأخّر- بشرط أن يكون مقياسهما الاعتبار بالتقوى، وعلى ذلك دلّ

حديث «١» : من حجّ ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه!.

وقوله تعالى: لِمَنِ اتَّقى خبر لمبتدأ محذوف، أي: الذي ذكر- من


(١) أخرجه البخاريّ في: المحصر، ٩- باب قول الله تعالى: فَلا رَفَثَ حديث ٨١٥.
ومسلم في: الحج، حديث ٤٣٨ (طبعتنا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>