للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبحمده مائة مرة) لم يحصل له هذا الثواب حتى يقولها مرة بعد مرة. وكذلك قوله «١» : من سبح الله دبر كلّ صلاة ثلاثا وثلاثين وحمده ثلاثا وثلاثين وكبّره ثلاثا وثلاثين. الحديث، لا يكون عاملا به حتى يقول ذلك مرة بعد مرة، لا يجمع الكلّ بلفظ واحد. وكذلك

قوله «٢» : من قال في يوم (لا إله إلّا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرّة كانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي.

لا يحصل هذا إلّا بقولها مرة بعد مرة. وهذا كما أنه في الأقوال والألفاظ فكذلك هو في الأفعال سواء. كقوله تعالى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ [التوبة:

١٠١] ، إنما هو مرة بعد مرة. وكذا قول ابن عباس «٣» : رأى محمد ربّه بفؤاده مرتين إنما هو مرة بعد مرة. وكذا

قول النبيّ صلّى الله عليه وسلم «٤» : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.

فهذا هو المعقول من اللغة والعرف. فالأحاديث المذكورة، وهذه النصوص المذكورة، وقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ كلها من باب واحد ومشكاة واحدة. والأحاديث المذكورة تفسّر المراد من قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ. فهذا كتاب الله، وهذه سنة رسوله، وهذه لغة العرب، وهذا عرف التخاطب، وهذا خليفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والصحابة كلّهم معه في عصره، وثلاث سنين من عصر عمر رضي الله عنه، على هذا المذهب، فلو عدهم العادّ لزادوا على الألف قطعا. ولهذا ادّعى بعض أهل العلم أن هذا إجماع قديم، ولم تجمع الأمة- ولله الحمد- على خلافه. بل لم يزل فيهم من يفتي به قرنا بعد قرن، وإلى يومنا هذا. فأفتى به من الصحابة ابن عباس والزبير وابن عوف. وعن عليّ وابن مسعود روايتان، ومن التابعين عكرمة وطاوس. ومن تابعيهم محمد بن إسحاق وغيره. وممن بعدهم داود إمام أهل الظاهر، وبعض أصحاب مالك، وبعض الحنفية، وأفتى بعض أصحاب أحمد- حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه- قال: وكان الجدّ يفتي به أحيانا.

والمقصود أنّ هذا القول قد دلّ عليه الكتاب والسنة والقياس والإجماع القديم. ولم يأت بعده إجماع يبطله. ولكن رأى أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه،


(١) أخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ١٤٦.
(٢) أخرجه البخاريّ في: بدء الخلق، ١١- باب صفة إبليس وجنوده، حديث ١٥٥٥.
ومسلم في: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث ٢٨.
(٣) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ٢٨٥.
(٤) أخرجه البخاريّ في: الأدب، ٨٣- باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، حديث ٢٣٥١.
وأخرجه مسلم في: الزهد، حديث ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>