للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة. وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، والربيع بنت معوذ وعمها رضي الله عنهم- وهو من كبار الصحابة- فهؤلاء الأربعة من الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم. وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد، في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. قال: هذا القول هو مقتضى قواعد الشريعة. فإنّ العدّة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة. فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل. وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء. ولا ينتقض هذا بالمطلقة ثلاثا. فإنّ باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحدا بائنة ورجعية. قالوا: وهذا دليل على أن الخلع فسخ، وليس بطلاق. وهو مذهب ابن عباس وعثمان وابن عمر والربيع وعمها. ولا يصح عن صحابيّ أنه طلاق البتة. فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو، عن طاوس عن ابن عباس- رضي الله عنهم- أنه قال: الخلع تفريق وليس بطلاق. وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو، عن طاوس: إن إبراهيم ابن سعد سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها؟ قال ابن عباس رضي الله عنه: نعم! ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها، والخلع بين ذلك.

والذي يدل على أنه ليس بطلاق، أن الله سبحانه وتعالى رتب على الطلاق بعد الدخول الذي لم يستوف عدده، ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع: أحدها: أن الزوج أحق بالرجعة فيه. الثاني: أنه محسوب من الثلاث فلا يحل بعد استيفاء العدد إلّا بعد زوج وإصابة. الثالث: أن العدة فيه ثلاثة قروء. وقد ثبت بالنصّ والإجماع أنه لا رجعة في الخلع. وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أنّ العدّة فيه حيضة واحدة. وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين ووقوع ثالثة بعده. وهذا ظاهر جدا في كونه ليس بطلاق فإنه سبحانه قال: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: ٢٢٩] ، وهذا- وإن لم يختص بالمطلقة تطليقتين- فإنه يتناولها وغيرها. ولا يجوز أن يعود الضمير إلى من لم يذكر، ويخلى عنه المذكور. بل إما أن يختص بالسابق، أو يتناوله وغيره. ثم قال:

فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ، وهذا يتناول من طلقت بعد فدية تطليقتين قطعا لأنها هي المذكورة. فلا بدّ من دخولها تحت اللفظ. فهذا فهم ترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يعلمه الله تأويل القرآن، وهي دعوة مستجابة بلا شك. وإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>