للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تنبيه:]

روي عن ابن عباس: أنّ الآية عني بها قوم كثير والعدد خرجوا من ديارهم فرارا من الجهاد في سبيل الله فأماتهم الله ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوّهم. فكأنها ذكرت ممهدة للأمر بالقتال بعدها في قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

ومعلوم أن سورة البقرة مما نزل في المدينة إثر الهجرة قبل فتح مكة. وكان العدوّ في مكة وما حولها في كثرة وقوة ومنعة، فأمر المسلمون المهاجرون ومن آواهم أن يقاتلوا في سبيل الله. وقصّ لهم من الأنباء ما فيه بعث لهم على الجهاد وتبشير لهم بالفوز والعاقبة. وإن يكونوا في قلة وضعف، ما داموا مستمسكين بحبل الوفاق والصبر والمصابرة. وقد ذهب بعض الرواة إلى أن هذه الآية عني بها ما قص في التوراة عن (حزقيل) - أحد أنبياء بني إسرائيل- أنه أوحى إليه أن يخرج إلى فلاة واسعة قد ملئت عظاما يابسة من موتى بني إسرائيل. وأن يناديها باسمه تعالى. فجعلت تتقارب ثم كسيت لحما. ثم نادى أرواحها فعادت إلى أجسامها واستووا أحياء على أقدامهم بأمره تعالى. وهم جيش كثير جدا. وأوحى إلى (حزقيل) أنهم سيعودون إلى وطنهم بعد أن أجلوا عنه. وهذه القصة مبسوطة في توراتهم في الفصل السابع والثلاثين من نبوة (حزقيل) .

وممن روي عنه أنه عني بهذه الآية نبأ (حزقيل) ، وهب بن منبه وأشعث بن أسلم البصريّ والحجاج بن أرطاة والسدّيّ وهلال بن يساف وغيرهم. أخرجه عنهم ابن جرير. فإن صحت هذه الرواية يكون ذلك من معجزات (حزقيل) في إحياء الموتى له كما أحيى لعيسى عليه السلام. فيرى قومه ما لا ييأسون معه من جهاد عدوّهم ليسترجعوا وطنهم الذي أجلاهم عنه عدوهم. لأن (حزقيل) كان فيمن أجلي إلى بابل. قالوا ونبوته تتضمن القضاء المنزل على بني إسرائيل وبشرى السلام الذي يعقب ذلك القضاء. وقد نقل ابن كثير عن عطاء أنه قال في هذه الآية: إنها مثل. ولعل مراده أنها مثل في تكوينه تعالى أمة قوية تقهر وتغلب وتسوس غيرها بعد بلوغها غاية الضعف والخمول. فكان حياتها وموتها تمثيلا لحالتيها قبل وبعد.

فيكون إشعارا بما ستصير إليه العرب من القوة العظيمة والمدينة الفخيمة. وتنبيها على أن الوصول إلى ذلك إنما يكون بجهاد الظالمين واتفاق المتقين على دحر المتغلبين الباغين والله أعلم.

ثم إنه لا خفاء في أن ما قصّ من حوادث الإسرائيليين كان معروفا في الجملة لمخالطة اليهود للعرب في قرون كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>