للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال وليّ الله الدهلويّ في (الفوز الكبير) : واختار سبحانه في تنزيله من أيام الله، يعني الوقائع التي أحدثها الله سبحانه وتعالى، كإنعام المطيعين وتعذيب العصاة، ما قرع سمعهم. وذكر لهم إجمالا مثل قصص قوم نوح وعاد وثمود. وكانت العرب تتلقاها أبا عن جد، ومثل قصص سيدنا إبراهيم وأنبياء بني إسرائيل فإنها كانت مألوفة لأسماعهم لمخالطة اليهود العرب في قرون كثيرة، وانتزع من القصص المشهورة جملا تنفع في تذكيرهم. ولم يسرد القصص بتمامها مع جميع خصوصياتها. والحكمة في ذلك أن العوام إذا سمعوا القصص النادرة غاية الندرة، أو استقصى بين أيديهم ذكر الخصوصيات، يميلون إلى القصص نفسها ويفوتهم التذكر الذي هو الغرض الأصلي فيها. ونظير هذا الكلام ما قاله بعض العارفين: إن الناس لما حفظوا قواعد التجويد شغلوا عن الخشوع في التلاوة.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٤]]

وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)

وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

قال المفسرون: في إتباع القصة المتقدمة الأمر بالقتال، دليل على أنها سيقت بعثا على الجهاد. فحرض على الجهاد بعد الإعلام بأن الفرار من الموت لا يغني، كما قال تعالى: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [آل عمران: ١٦٨] ، وأصل السبيل هو الطريق. وسميت المجاهدة سبيلا إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ويتوصل إلى الله بها ليتمكن من إظهار عبادته تعالى، ونشر الدعوة إلى توحيده وحماية أهلها والمدافعة عن الحق وأهله. فالقتال دفاع في سبيل الله لإزالة الضرر العام. وهو منع الحق وتأييد الشرك. وذلك بتربية الذين يفتنون الناس عن دينهم وينكثون عهودهم لا لحظوظ النفس وأهوائها، والضراوة بحب التسافك وإزهاق الأرواح، ولا لأجل الطمع في الكسب. وفي قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ بعث على صدق النية والإخلاص. كما

في الصحيحين «١» عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «سئل رسول


(١)
أخرجه البخاريّ في: العلم، ٤٥- باب من سأل وهو قائم عالما جالسا، حديث ١٠٥ ونصه: عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية. فرفع إليه رأسه (وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما) ، فقال «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل» .
وأخرجه مسلم في: الإمارة، حديث ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>