للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ تأكيد للقيوم. أي لا يغفل عن تدبير أمر الخلق تعالى وتقدس. والسنة (كعدة) والوسن (محركة وبهاء) والوسنة شدة النوم أو أوله، أو النعاس. كذا في القاموس.

قال المهايميّ: السنة فتور يتقدم النوم. والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء دماغه من رطوبات أبخرة متصاعدة تمنع الحواس الظاهرة عن الإحساس.

فهما منقصان للحياة منافيان للقيومية، لأنهما من التغيرات المنافية لوجوب الوجود الذي للقيوم. ونفي النوم أوّلا التزاما، ثم تصريحا، ليدل كمال نفيه على ثبوت كمال ما ينافيه. ومن كمال قيوميته اختصاصه بملك العلويات والسفليات المشار إليه بقوله لَهُ ما فِي السَّماواتِ من الملائكة والشمس والقمر والكواكب وَما فِي الْأَرْضِ من العوالم المشاهدات. وهذا إخبار بأن الجميع في ملكه وتحت قهره وسلطانه. كقوله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: ٩٣- ٩٤] . مَنْ ذَا من الأنبياء والملائكة، فضلا عما ادعى الكفار شفاعته من الأصنام الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ فضلا عن أن يقاومه أو يناصبه إِلَّا بِإِذْنِهِ أي بتمكينه تحقيقا للعبودية، كما قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى [النجم: ٢٦] . وكقوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الأنبياء: ٢٨] . وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عزّ وجلّ، أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة. كما

في حديث الشفاعة «١» : «آتي تحت العرش فأخر ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل يسمع واشفع تشفع، قال:

فيحدّ لي حدّا فأدخلهم الجنة» .

قال أبو العباس بن تيمية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون. فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله ولم يبق إلا الشفاعة. فبيّن أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب. فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن.

وأخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده. لا يبدأ


(١) أخرجه البخاريّ في: التوحيد، ١٩- باب قوله تعالى: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ.
ومسلم في: الإيمان، حديث ٣٢٢- ٣٢٦.
وهو حديث طويل وجليل وعظيم الشأن، والسعيد من ظفر به وأحاط علما بما فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>