للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٤٠]]

قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠)

قالَ رَبِّ أَنَّى أي كيف أو من أين يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ أي أدركني الكبر الكامل المانع من الولادة فأضعفني وَامْرَأَتِي عاقِرٌ أي ذات عقر، فهو على النسب، وهو في المعنى مفعول أي معقورة، ولذلك لم يلحق تاء التأنيث قالَ كَذلِكَ يكون لك الولد على الحال التي أنت وزوجتك عليها لأن الله تعالى لا يحتاج إلى سبب بل اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر. وفي إعراب كَذلِكَ أوجه. منها: أنه خبر لمحذوف أي الأمر كذلك. وقوله تعالى:

اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ بيان له. ومنها أن الكاف في محل النصب على أنها في الأصل نعت لمصدر محذوف. أي الله يفعل ما يشاء فعلا من ذلك الصنع العجيب الذي هو خلق الولد من شيخ فان وعجوز عاقر.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ٤١]]

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١)

قالَ زكريا رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أي علامة أعرف بها حصول الحمل. وإنما سألها لكون العلوق أمرا خفيّا لا يوقف عليه. فأراد أن يعلمه الله به من أوله ليتلقى تلك النعمة بالشكر من أولها ولا يؤخره إلى أن يظهر ظهورا معتادا قالَ الله تعالى آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ أي أن لا تقدر على تكليمهم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً أي إشارة بيد أو رأس. وإما جعلت آيته ذلك لتخليص المدة لذكره تعالى شكرا على ما أنعم به عليه. وقيل: كان ذلك عقوبة منه تعالى بسبب سؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه- حكاه القرطبيّ عن أكثر المفسرين- وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً أي ذكرا كثيرا وَسَبِّحْ أي وسبحه بِالْعَشِيِّ وهو آخر النهار. ويقع العشي أيضا على ما بين الزوال والغروب وَالْإِبْكارِ وهو الغدوة أو من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس. قال السيوطيّ في (الإكليل) : في الآية الحث على ذكر الله تعالى وهو من شعب الإيمان.

قال محمد بن كعب: لو رخص الله لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا لأنه منعه من الكلام وأمره بالذكر- أخرجه ابن أبي حاتم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>