للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطلت فائدة التخصيص، وهذا أنواع:

أحدها: وهو الذي ساقه أبو شريح العدويّ لأجله، أن الطائفة الممتنعة بها من مبايعة الإمام لا تقاتل لا سيما إن كان لها تأويل. كما امتنع أهل مكة من مبايعة يزيد، وبايعوا ابن الزبير. فلم يكن قتالهم ونصب المنجنيق عليهم وإحلال حرم الله جائزا بالنص والإجماع، وإنما خالف في ذلك عمرو بن سعيد الفاسق وشيعته، وعارض نص رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وهواه

فقال: إن الحرم لا يعيذ عاصيا

، فيقال له: هو لا يعيذ عاصيا من عذاب الله، ولو لم يعذه من سفك دمه لم يكن حرما بالنسبة إلى الآدميين، وكان حرما بالنسبة إلى الطير والحيوان البهيم، وهو لم يزل يعيذ العصاة من عهد إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه، وقام الإسلام على ذلك، وإنما لم يعد مقيس ابن صبابة وابن خطل ومن سمي معهما لأنه في تلك الساعة لم يكن حرما بل حلّا، فلما انقضت ساعة الحرب عاد إلى ما وضع عليه يوم خلق الله السموات والأرض.

وكانت العرب في جاهليتها، يرى الرجل قاتل أبيه أو ابنه في الحرم فلا يهيجه، وكان ذلك بينهم خاصة الحرم الذي صار بها حرما. ثم جاء الإسلام فأكد ذلك وقواه، وعلم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن من الأمة من يتأسى به في إحلاله بالقتال والقتل، فقطع الإلحاق وقال لأصحابه: «فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لك» ، وعلى هذا فمن أتى حدّا أو قصاصا خارج الحرم يوجب القتل، ثم لجأ إليه، لم يجز إقامته عليه فيه. وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه. وذكر عن عبد الله ابن عمر أنه قال: لو وجدت فيه قاتل عمر ما بدهته. وعن ابن عباس أنه قال: لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما هجته حتى يخرج منه، وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم، بل لا يحفظ عن تابعيّ ولا صحابيّ خلافه. وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله ومن وافقه من أهل العراق، والإمام أحمد ومن وافقه من أهل الحديث. وذهب مالك والشافعيّ إلى أنه يستوفي منه في الحرم كما يستوفي منه في الحل، وهو اختيار ابن المنذر، واحتج لهذا القول بعموم النصوص الدالة على استيفاء الحدود والقصاص في كل مكان وزمان، وبأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة «١» ، وبما


(١)
أخرجه البخاريّ في: جزاء الصيد، ١٨- باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، حديث ٩٣٣ ونصه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر. فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال «اقتلوه»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>