للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنقاذ الربانيّ. ألا ترى إلى

قوله صلّى الله عليه وسلم «١» : الراتع حول الحمى يوشك أن يواقعه؟

وإلى قوله تعالى: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ [التوبة: ١٠٩] . وانظر كيف جعل تعالى كون البنيان على الشفا سببا مؤديا إلى انهياره في نار جهنم، مع تأكيد ذلك بقوله هارٍ. والله أعلم- انتهى-.

ثم قال الزمخشريّ: وشفا الحفرة وشفتها حرفها، بالتذكير والتأنيث، ولامها واو إلا أنها في المذكر مقلوبة، وفي المؤنث محذوفة. ونحو الشفا والشفة، الجانب والجانبة- انتهى.

وحكى الزجاج في تثنية شفا (شفوان) . قال الأخفش لما لم تجز فيه الإمالة عرف أنه من الواو، لأنه الإمالة من الياء- كذا في الصحاح.

ثم قال الزمخشريّ: فإن قلت: كيف جعلوا على حرف حفرة من النار؟ قلت:

لو ماتوا على ما كانوا عليه وقعوا في النار، فمثلت حياتهم التي يتوقع بعدها الوقوع في النار، بالقعود على حرفها مشفين على الوقوع فيها.

قال الرازيّ: وهذا فيه تنبيه على تحقير مدة الحياة، فإنه ليس بين الحياة وبين الموت المستلزم للوقوع في الحفرة، إلا ما بين طرف الشيء وبين ذلك الشيء.

كَذلِكَ أي مثل ذلك البيان يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ في كل مكان لإنقاذكم عن الضلال فيه لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ لرشدكم الدينيّ والدنيويّ فيه. ثم أشار إلى أنه كما أنقذكم من النار والضلال بإرسال الرسل وإنزال الآيات، فليكن فيكم من ينقذ إخوانه، فقال:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٤]]

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ أي جماعة، سميت بذلك لأنها يؤمها فرق الناس، أي


(١)
أخرجه البخاريّ في: البيوع، ٢- باب الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشبهات: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم «الحلال بيّن والحرامّ بيّن وبينهما أمور مشتبهة. فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك. ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان. والمعاصي حمى الله. من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>