للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهوان والصغار كما يحيط البيت المضروب بساكنه أينما وجدوا، وقوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ. في محل النصب على الحال. بتقدير: إلا معتصمين أو متمسكين أو ملتبسين بحبل من الله، وهو استثناء من أعمّ عام الأحوال، والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال، إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين، أي لا عزّ لهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجائوهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية- كذا في الكشاف- وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي استوجبوه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ أي الفقر ليكونوا بهذه الأوصاف أعرق شيء في الذل ذلِكَ أي ضربت المسكنة والذلة والغضب بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أي استكبارا وعتوّا وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ أي الآتين من عند الله حقا. ولما كانوا معصومين دينا ودنيا قال بِغَيْرِ حَقٍّ أي يبيح القتل ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ أي ضرب الذلة والمسكنة في الدنيا واستيجاب الغضب في الآخرة، كما هو معلل بكفرهم وقتلهم الأنبياء، فهو مسبب عن عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى. وقيل: ذلك إشارة إلى علة العلة، وهو الكفر والقتل، أي حصلا منهم بسبب عصيانهم واعتدائهم، فإن الإقدام على المعاصي، والاستهانة بمجاوزة الحدود يهوّن الكفر. قال الأصفهانيّ: قال أرباب المعاملات: من ابتلي بترك الآداب، وقع في ترك السنن. ومن ابتلي بترك السنن، وقع في ترك الفرائض. ومن ابتلي بترك الفرائض، وقع في استحقار الشريعة. ومن ابتلي بذلك، وقع في الكفر.

قال برهان الدين البقاعيّ رحمه الله تعالى: والآية دليل على مؤاخذة الابن الراضي بذنب الأب وإن علا. وذلك طبق ما رأيته في ترجمة التوراة التي بين أيديهم، لأنه قال في السفر الثاني: وقال الله جميع هذه الآيات كلها أنا الرب إلهك الذي أصعدتك من أرض مصر من العبودية والرق لا يكون لك آلهة لا تعملن شيئا من الأصنام والتماثيل التي مما في السماء فوق وفي الأرض من تحت ومما في الماء أسفل الأرض لا تسجدن لها ولا تعبدنها لأني أنا الرب إلهك غيور آخذ الأبناء بذنوب الآباء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة خلوف وأثبت النعمة إلى ألف حقب لأحباري وحافظي وصاياي- انتهى-

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١١٣]]

لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣)

لَيْسُوا سَواءً جملة مستأنفة سيقت تمهيدا للثناء على من أقبل على الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>