للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أهل الكتاب وخلع الباطل ولم يراع سلفا ولا خلفا، وتذكيرا لقوله تعالى: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ أي ليس أهل الكتاب متساوين ومتشاركين في المساوئ. ثم استأنف قوله بيانا لعدم استوائهم مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.

في قوله تعالى قائِمَةٌ وجوه:

الأول- أنها قائمة في الصلاة، وعبّر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل كقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [الفرقان: ٦٤] . وقوله:

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ [المزمل: ٢٠] . وقوله: قُمِ اللَّيْلَ [المزمل: ٢] . وقوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة: ٢٣٨] .

والثاني- أنها ثابتة على التمسك بالدين الحق، ملازمة له، غير مضطربة في التمسك به، كقوله: إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل عمران: ٧٥] أي ملازما للاقتضاء، ثابتا على المطالبة. ومنه قوله تعالى: قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: ١٨] .

الثالث- أنها مستقيمة عادلة من قولك: أقمت العود فقام، بمعنى استقام.

والآناء الأوقات واحدها (إنا) مثل (معى) و (أمعاء) و (إني) مثل (نحي) و (أنحاء) وقوله تعالى: وَهُمْ يَسْجُدُونَ جملة مستقلة مستأنفة، وليست حالا من فاعل يَتْلُونَ لما صح في السنة من النهي عن التلاوة في السجود، وذلك فيما

رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم «١» .

فمعنى الآية أنهم يقومون تارة ويسجدون أخرى، يبتغون الفضل والرحمة كقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً [الفرقان: ٦٤] . وقوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: ٧] . ويحتمل أن يكون المعنى: وهم يصلون، والصلاة تسمى سجودا وسجدة كما تسمى ركوعا وركعة وتسبيحا وتسبيحة. وعليه فالجملة يجوز فيها الوجهان، وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وتأكيده. ثم وصفهم تعالى بصفات أخر، مبينة لمباينتهم اليهود من جهة أخرى، بقوله:


(١) أخرجه مسلم في: الصلاة، حديث ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>