للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاداتكم من الكيد فيعاقبهم عليه. وبتاء الخطاب، أي بما تعملون من الصبر والتقوى فيجازيكم بما أنتم أهله.

[تنبيه مهم:]

قال الرازيّ: إطلاق لفظ (المحيط) على الله مجاز، لأن المحيط بالشيء هو الذي يحيط به من كل جوانبه، وذلك من صفات الأجسام، لكنه تعالى لما كان عالما بكل الأشياء، قادرا على كل الممكنات، جاز في مجاز اللغة أنه محيط بها، ومنه قوله: وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج: ٢٠] . - انتهى-.

أقول: ما ذكره شبهة جهمية مبناها قياس صفة القديم على الحوادث، وأخذ خاصتها به، وهو قياس مع الفارق. والسمعيات تتلقى من عرف المتكلم بالخطاب، لا من الوضع المحدث. فليس لأحد أن يجعل الألفاظ التي جاءت في القرآن موضوعة لمعاني، ثم يريد أن يفسر مراد الله تعالى بتلك المعاني. وتتمة هذا البحث تقدمت في تفسير (الرحمن الرحيم) من البسملة أول التنزيل الجليل. فارجع إليها.

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٢١]]

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١)

وَإِذْ غَدَوْتَ أي خرجت مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ أي تنزل الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ أي أماكن ومراكز يقفون فيها لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ذهب الجمهور وعلماء المغازي إلى أن هذه الآية نزلت في وقعة أحد، والسر في سوق هذه الوقعة الأحديّة وإيلائها البدرية، وهو تقرير ما سبق. فإن المدعي فيما قبلها المساءة بالحسنة والمسرة بالمصيبة وسنة الله تعالى فيهم في باب النصر والمعونة ودفع مضار العدوّ، إذا هم صبروا واتقوا، والتغيير إذا غيروا. أي اذكر لهم ما يصدق ذلك من أحوالكم الماضية حين لم يصبروا في أحد، فأصيبوا وسرّت الأعداء مصيبتكم، وحين صبروا واتبعوا فنصروا وساء العدوّ نصرهم. وفي توجيه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم تهييج لغيره إلى تدقيق النظر واتباع الدليل، من غير أدنى وقوف مع المألوف- كذا يستفاد من تفسير البقاعيّ-.

وهذه الآية هي افتتاح القصة، وقد أنزل فيها ستون آية، وأشير في هذه السورة إلى بعض الحكم والغايات المحمودة التي في هذه الوقعة، كما سيذكر، وكانت في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور، وكان سببها أن الله تعالى لما قتل أشراف قريش ببدر، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها، ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب لذهاب

<<  <  ج: ص:  >  >>