للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكابرهم، وجاءوا إلى أطراف المدينة في غزوة السّويق، ولم ينل ما في نفسه، أخذ يؤلّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، ويجمع الجموع قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش. وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا ليحاموا عنهن. ثم أقبل بهم نحو المدينة، فنزل قريبا من جبل أحد، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه:

أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة وكان رأيه أن لا يخرجوا من المدينة، وأن يتحصنوا بها، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبيّ، وكان هو الرأي. فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر، وأشاروا عليه بالخروج، وألحوا عليه في ذلك، فنهض ودخل بيته، ولبس لأمته، وخرج عليهم وقد انثنى عزم أولئك الملحّين، وقالوا: أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج. فقالوا: يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ينبغي لنبيّ، إذا لبس لأمته، أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوّه

. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين في المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا وهو بالمدينة: رأى أن في سيفه ثلمة، ورأى أن بقرا تذبح، وأنه أدخل يده في درع حصينة. فتأول الثلمة في سيفه برجل يصاب من أهل بيته، وتأول البقر بنفر من أصحابه يقتلون. وتأول الدرع بالمدينة. فخرج يوم الجمعة! فلما صار بالشّوط، بين المدينة وأحد، انخزل عنه عبد الله بن أبيّ في ثلث الناس، مغاضبا لمخالفة رأيه في المقام. فتبعهم عبد الله بن عمرو، والد جابر، يوبخهم ويحضهم على الرجوع ويقول: تعالوا قاتلوا في سبيل الله، أو ادفعوا. قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لم نرجع. فرجع عنهم وسبّهم، وسأل النبيّ صلى الله عليه وسلم قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبى، وسلك حرّة بني حارثة، ومر بين الحوائط، وأبو خيثمة من بني حارثة يدل به، حتى نزل الشعب من أحد مستندا إلى الجبل، ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم، فلما أصبح يوم السبت تعبّى للقتال وهو في سبعمائة. فيهم خمسون فارسا وخمسون راميا وأمّر على الرماة عبد الله بن جبير. وأمره وأصحابه أن يلزموا مراكزهم، وألا يفارقوه ولو رأوا الطير تخطف العسكر. وكانوا خلف الجيش.

وأمرهم أن ينضحوا المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم. وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين يومئذ، وأعطى اللواء مصعب بن عمير، وجعل على إحدى المجنّبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو. واستعرض الشباب يومئذ. فردّ من استصغره عن القتال. منهم عبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وأسيد

<<  <  ج: ص:  >  >>