للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، ودفع إلى عليّ راية، وإلى رجل من الأنصار راية أخرى، يقال كانتا سوداوين. وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة. وراية الأنصار يومئذ مع سعد بن معاذ، فسلكوا نقب المدينة إلى ذي الحليفة، ثم انتهوا إلى صخيرات يمام، ثم إلى بئر الروحاء، ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء، وبعث صلى الله عليه وسلم قبلها بسبس بن عمرو وعديّ بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبار أبي سفيان وعيره، ثم تنكب عن الصفراء يمينا، وخرج على وادي دقران، فبلغه خروج قريش ونفيرهم، فاستشار أصحابه فتكلم المهاجرون، وأحسنوا، وهو يريد ما يقول الأنصار، وفهموا ذلك، فتكلم سعد بن معاذ، وكان فيما قال: لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فسر بنا يا رسول الله على بركة الله. فسرّ بذلك وقال: سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين. ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر، وبعث عليّا والزبير وسعدا في نفر يلتمسون الخبر. فأصابوا غلامين لقريش، فأتوا بهما، وهو صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقالوا:

نحن سقاة قريش، فكذبوهما، كراهية في الخبر، ورجاء أن يكونا من العير للغنيمة وقلة المؤنة، فجعلوا يضربونهما فيقولان: نحن من العير. فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكر عليهم، وقال للغلامين: أخبراني أين قريش؟ فأخبراه أنهم وراء الكثيب، وأنهم ينحرون يوما عشرا من الإبل ويوما تسعا،

فقال صلى الله عليه وسلم: القوم ما بين التسعمائة والألف.

وقد كان بسبس وعديّ مضيا يتجسسان ولا خبر، حتى نزلا وأناخا قرب الماء، واستقيا في شن لهما، ومجدي بن عمرو من جهينة بقربهما. فسمع عديّ جارية من جواري الحي تقول لصاحبتها: العير تأتي غدا أو بعد غد، وأعمل لهم وأقضيك الذي لك، وجاءت إلى مجدي بن عمرو، فصدقها. فرجع بسبس وعديّ بالخبر.

وجاء أبو سفيان بعدهما بتجسس الخبر. فقال لمجدي: هل أحسست أحدا؟ فقال:

راكبين أناخا يميلان لهذا التل، فاستقيا الماء ونهضا. فأتى أبو سفيان مناخهما، وفتت من أبعار رواحلهما. فقال: هذه، والله، علائف يثرب. فرجع سريعا وقد حذر، وتنكب بالعير إلى طريق الساحل فنجا. وأوصى إلى قريش بأنا قد نجونا بالعير فارجعوا. فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر، ونقيم به ثلاثا، وتهابنا العرب أبدا، ورجع الأخنس بن شريق بجميع بني زهرة، وكان حليفهم ومطاعا فيهم وقال: إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت، فارجعوا. وكان بنو عديّ لم ينفروا مع القوم، فلم يشهد بدرا من قريش عدويّ ولا زهريّ. وسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا إلى ماء بدر، وثبطهم عنه مطر نزل وبله مما يليهم، وأصاب مما يلي المسلمين

<<  <  ج: ص:  >  >>