للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشهادة مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ أي تشاهدوه وتعرفوا هوله فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ أي ما تتمنونه من أسباب الموت، أو الموت بشاهدة أسبابه العادية، أو قتل إخوانكم بين أيديكم وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ حال من ضمير المخاطبين. وفي إيثار الرؤية على الملاقاة، وتقييدها بالنظر، مبالغة في مشاهدتهم له.

قال ابن عباس: لما أخبرهم الله تعالى على لسان نبيه بما فعل بشهداء بدر من الكرامة، رغبوا في الشهادة، فتمنوا قتالا يشهدون فيه فيلحقون إخوانهم، فأراهم الله ذلك يوم أحد، وسببه لهم، فلم يلبثوا أن انهزموا إلا من شاء الله منهم، فأنزل الله تعالى وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ... الآية-

وقد ثبت في الصحيحين «١» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تتمنوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف.

قال أهل المغازي: لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، أقبل عبد الله ابن قميئة يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه، وهو يومئذ صاحب رايته، فقتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع فقال:

قد قتلت محمدا وصرخ الشيطان: ألا إن محمدا قد قتل. فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال. ففي ذلك أنزل الله تعالى:

[القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (٣) : آية ١٤٤]]

وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)

وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ والرسل منهم من مات، ومنهم من قتل، فلا منافاة بين


(١)
أخرجه البخاريّ في: الجهاد، ١١٢- باب كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا لم يقاتل أول النهار، أخر القتال حتى تزول الشمس. ونصه: عن سالم أبي النضر، مولى عمر بن عبيد الله، وكان كاتبا له، قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، فقرأته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض أيامه التي لقي فيها، انتظر حتى مالت الشمس. ثم قام في الناس قال «أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية. فإذا لقيتموهم فاصبروا. واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف» ثم قال «الله! منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» .
ومسلم في: الجهاد والسير، حديث ٢٠
.

<<  <  ج: ص:  >  >>