للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال: أمن أمنا وأمانا وأمنا وأمنة (محركتين) وفي حديث «١» نزول عيسى عليه السلام، وتقع الأمنة في الأرض، أي الأمن. ومثله من المصادر العظمة والغلبة، وهو منصوب على المفعولية. وقوله تعالى نُعاساً بدل من أَمَنَةً وقيل: هو المفعول، وأَمَنَةً حال أو مفعول له يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وهم المخلصون، أهل اليقين والثبات والتوكل الصادق، والجازمون بأن الله عز وجل سينصر رسوله وينجز له مأموله. والنعاس في حال الحرب دليل على الأمان، كما قال في سورة الأنفال: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ... [الأنفال: ١١] الآية. وروى البخاريّ «٢» في التفسير عن أنس عن أبي طلحة قال: غشينا النعاس ونحن في مصافّنا يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه. ورواه الترمذيّ والنسائيّ والحاكم.

ولفظ الترمذيّ «٣» : قال أبو طلحة: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس. فذلك قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً. وقد ساق الرازيّ لذلك النعاس فوائد: منها أن الأعداء كانوا في غاية الحرص على قتلهم، فبقاؤهم في النوم مع السلامة في مثل تلك المعركة من أدلّ الدلائل على أن حفظ الله وعصمته معهم. وذلك مما يزيل الخوف عن قلوبهم، ويورثهم مزيد الوثوق بوعد الله تعالى- انتهى- ثم أخبر تعالى أن من لم يصبه ذلك النعاس فهو ممن أهمته نفسه، لا دينه ولا نبيه ولا أصحابه، بقوله وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أي ما بهم إلا هم أنفسهم وقد قصد خلاصها، فلم يغشهم النعاس، من القلق والجزع والخوف يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ أي غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به سبحانه ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ كما قال تعالى في الآية الأخرى: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ... [الفتح: ١٢] الآية- وهكذا هؤلاء اعتقدوا أن المشركين لما ظهروا تلك الساعة أنها الفيصلة، وأن الإسلام قد باد


(١)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٢/ ٤٠٦ ونصه: عن أبي هريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «الأنبياء إخوة لعلّات. أمهاتهم شتى ودينهم واحد. وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم. لأنه لم يكن بيني وبينه نبيّ. وإنه نازل. فإذا رأيتموه فاعرفوه. رجلا مربوعا إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران. كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل. فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام. فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام. ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال. وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم. ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم. فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون.
(٢) أخرجه البخاريّ في: التفسير، ٣- باب آل عمران، ١١- باب أَمَنَةً نُعاساً.
(٣) أخرجه الترمذيّ في: التفسير، ٣- باب آل عمران، ١٥- حدثنا عبد بن حميد.

<<  <  ج: ص:  >  >>