للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله صلّى الله عليه وسلم، فإذا هو في مشربة، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وعند رجليه قرظ مصبور، وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيت! فقال: ما يبكيك؟ قلت: يا رسول الله! إن كسرى وقيصر فيما هم فيه، وأنت رسول الله! فقال: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة؟

وروى ابن أبي حاتم وعبد الرزاق عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ما من نفس برة ولا فاجرة، إلا الموت خير لها. لئن كان برّا، لقد قال الله تعالى وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ وقرأ: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً، وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ [آل عمران: ١٧٨] .

وروى ابن جرير عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يقول: ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له، ومن يصدقني فإن الله يقول وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ويقول وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ ... الآية.

وأخرج نحوه رزين عن ابن عباس.


قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة، لقرابتي منها. فكلمتها. فقالت أم سلمة: عجبا لك يا ابن الخطاب! دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأزواجه؟
فأخذتني، والله! أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد. فخرجت من عندها.
وكان لي صاحب من الأنصار، إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر. ونحن نتخوّف ملكا من ملوك غسّان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا. فقد امتلأت صدورنا منه. فإذا صاحبي الأنصاريّ يدق الباب. فقال: افتح، افتح. فقلت: جاء الغسّاني؟ فقال: بل أشد من ذلك.
اعتزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أزواجه. فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة. فأخذت ثوبي، فأخرج حتى جئت فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة. وغلام لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، أسود، على رأس الدرجة. فقلت له: قل هذا عمر بن الخطاب. فأذن لي.
قال عمر: فقصصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الحديث. فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإنه لعلى حصير، ما بينه وبينه شيء. وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف. وإن عند رجليه قرظا مصبوبا. وعند رأسه أهب معلّقة. فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت. فقال: ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله! إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله؟ فقال «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» وأخرجه مسلم في: الطلاق، حديث ٣٠ و ٣١
.

<<  <  ج: ص:  >  >>