للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسميع بهم في ضمن ما فسرناه أولا، وفي مصحف عبد الله «فشرذ» بالذال منقوطة، وهي قراءة الأعمش ولم يحفظ شرذ في لغة العرب ولا وجه لها إلا أن تكون الذال المنقوطة تبدل من الدال كما قالوا لحم خراديل وخراذيل، وقرأ أبو حيوة وحكاها المهدوي عن الأعمش بخلاف عنه: «من خلفهم» بكسر الميم من قوله مَنْ وخفض الفاء من قوله خَلْفَهُمْ والترجي في قوله لَعَلَّهُمْ بحسب البشر، ويَذَّكَّرُونَ معناه يتعظون.

وقوله تعالى: وَإِمَّا تَخافَنَّ الآية قال أكثر المؤلفين في التفسير: إن هذه الآية هي من بني قريظة، وحكاه الطبري عن مجاهد، والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة قد انقضى عند قوله فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية بأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة إلى سالف الدهر، وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته فترتب فيهم هذه الآية وإنما كانت خيانتهم ظاهرة مشتهرة، فهذه الآية هي عندي فيمن يستقبل حاله من سائر الناس غير بني قريظة، وخوف الخيانة بأن تبدو جنادع الشر من قبل المعاهدين وتتصل عنهم أقوال وتتحسس من تلقائهم مبادئ الغدر، فتلك المبادئ معلومة والخيانة التي هي غايتهم مخوفة لا متيقنة، وحينئذ ينبذ إليهم على سواء، فإن التزموا السلم على ما يجب وإلا حوربوا، وبنو قريظة نبذوا العهد مرتين، وقال يحيى بن سلام: تخاف في هذه الآية بمعنى تعلم.

قال القاضي أبو محمد: وليس كذلك، وقوله خِيانَةً يقتضي حصول عهد لأن من ليس بينك وبينه عهد فليست محاربته لك خيانة، فأمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إذا أحس من أهل عهد ما ذكرنا، وخاف خيانتهم أن يلقي إليهم عهدهم، وهو النبذ ومفعول قوله فَانْبِذْ محذوف تقديره إليهم عهدهم.

قال القاضي أبو محمد: وتقتضي قوة هذا اللفظ الحض على حربهم ومناجزتهم إن لم يستقيموا، وقوله عَلى سَواءٍ قيل معناه حتى يكون الأمر في بيانه والعلم به على سواء منك ومنهم، فتكونون فيه أي في استشعار الحرب سواء، وقيل معنى قوله عَلى سَواءٍ أي على معدلة أي فذلك هو العدل والاستواء في الحق، قال المهدوي: معناه جهرا لا سرا.

قال القاضي أبو محمد: وهذا نحو الأول، وقال الوليد بن مسلم: عَلى سَواءٍ معناه على مهل كما قال تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة: ٢] .

قال القاضي أبو محمد: واللغة تأبى هذا القول، وذكر الفراء أن المعنى انبذ إليهم على اعتدال وسواء من الأمر أي بيّن لهم على قدر ما ظهر منهم لا تفرط ولا تفجأ بحرب، بل افعل بهم مثلما فعلوا بك.

قال القاضي أبو محمد: يعني موازنة ومقايسة، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ يحتمل أن يكون طعنا على الخائنين من الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يريد فانبذ إليهم على سواء حتى تبعد عن الخيانة، فإن الله لا يحب الخائنين فيكون النبذ على هذا التأويل لأجل أن الله لا يحب

<<  <  ج: ص:  >  >>