للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ فلفظة عامة تتصرف في الأفعال والأقوال واللحظات، ومنه قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ [آل عمران: ١٥٩] ومنه قول النسوة لعمر بن الخطاب: أنت أفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى الغلظ خشن الجانب فهي ضد قوله تعالى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ٢١٥] ثم جرت الآية المؤمنين عليهم في عقب الأمر بإخباره أنهم في جهنم، والمعنى هم أهل لجميع ما أمرت أن تفعل بهم، و «المأوى» حيث يأوي الإنسان ويستقر، وقوله يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا الآية، هذه الآية نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، وذلك كأنه كان يأتي من قباء ومعه ابن امرأته عمير بن سعد فيما قال ابن إسحاق، وقال عروة اسمه مصعب، وقال غيره وهما على حمارين.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمى قوما ممن اتهمهم بالنفاق، وقال إنهم رجس، فقال الجلاس للذي كان يسير معه: والله ما هؤلاء الذين سمى محمد إلا كبراؤنا وسادتنا، ولئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من حمرنا هذه، فقال له ربيبه أو الرجل الآخر؟ والله إنه لحق، وإنك لشر من حمارك، ثم خشي الرجل من أن يلحقه في دينه درك، فخرج وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في الجلاس فقرره فحلف بالله ما قال، فنزلت هذه الآية، والإشارة ب كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلى قوله: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمر، إن التكذيب في قوة هذا الكلام، قال مجاهد وكان الجلاس لما قال له صاحبه إني سأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولك هم بقتله، ثم لم يفعل عجزا عن ذلك فإلى هذا هي الإشارة بقوله وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وقال قتادة بن دعامة: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك أن سنان بن وبرة الأنصاري والجهجاه الغفاري كسع أحدهما رجل الآخر في غزوة المريسيع، فثاروا، فصاح جهجاه بالأنصار وصاح سنان بالمهاجرين، فثار الناس فهدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: ما أرى هؤلاء إلا قد تداعوا علينا، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفه فحلف أنه لم يقل ذلك، فنزلت الآية مكذبة له، والإشارة ب كَلِمَةَ الْكُفْرِ إلى تمثيله: سمن كلبك يأكلك، قال قتادة والإشارة ب هَمُّوا إلى قوله لئن رجعنا إلى المدينة، وقال الحسن هم المنافقون من إظهار الشرك ومكابرة النبي صلى الله عليه وسلم بما لم ينالوا، وقال تعالى: بَعْدَ إِسْلامِهِمْ ولم يقل بعد إيمانهم لأن ذلك لم يتجاوز ألسنتهم، وقوله تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ لعبد الله بن أبي ابن سلول دية كانت قد تعطلت له، ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفا، وقيل بل كانت للجلاس.

قال القاضي أبو محمد: وهذا بحسب الخلاف المتقدم فيمن نزلت الآية من أولها، وتقدم اختلاف القراء في نَقَمُوا في سورة الأعراف، وقرأها أبو حيوة وابن أبي عبلة بكسر القاف، وهي لغة، وقوله إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ استثناء من غير الأول كما قال النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

فكأن الكلام وما نقموا إلا ما حقه أن يشكر، وقال مجاهد في قوله وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا إنها نزلت

<<  <  ج: ص:  >  >>