للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى حق لهم أن يعلموا، وقوله وَقُلِ اعْمَلُوا الآية، صيغة أمر مضمنها الوعيد، وقال الطبري: المراد بها الذين اعتذروا من المتخلفين وتابوا.

قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن المراد بها الذين اعتذروا ولم يتوبوا وهم المتوعدون وهم الذين في ضمير قوله أَلَمْ يَعْلَمُوا إلا على الاحتمال الثاني من أن الآيات كلها في الذين خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [التوبة: ٨٤] ، ومعنى فَسَيَرَى اللَّهُ أي موجودا معوضا للجزاء عليه بخير أو شر، وأما الرسول والمؤمنون فرؤيتهم رؤية حقيقة لا تجوز، وقال ابن المبارك رؤية المؤمنين هي شهادتهم على المرء بعد موته وهي ثناؤهم عند الجنائز، وقال الحسن ما معناه: إنهم حذروا من فراسة المؤمن التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» ، وقوله تعالى وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يريد البعث من القبور، والْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ معناه ما غاب وما شوهد، وهي حالتان تعم كل شيء، وقوله فَيُنَبِّئُكُمْ عبارة عن حضور الأعمال وإظهارها للجزاء عليها وهذا وعيد.

قوله عز وجل:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٦ الى ١٠٧]

وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧)

قوله وَآخَرُونَ عطف على قوله أولا وَآخَرُونَ [التوبة: ٨٤] ، وقرأ نافع والأعرج وابن نصاح وأبو جعفر وطلحة والحسن وأهل الحجاز «مرجون» من أرجى دون همز، وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة «مرجؤون» من أرجأ يرجىء بالهمز، واختلف عن عاصم، وهما لغتان، ومعناهما التأخير ومنه المرجئة لأنهم أخروا الأعمال أي أخروا حكمها ومرتبتها، وأنكر المبرد ترك الهمز في معنى التأخير وليس كما قال، والمراد بهذه الآية فيما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وابن إسحاق الثلاثة الذين خلفوا وهم هلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع العامري وكعب بن مالك، ونزلت هذه الآية قبل التوبة عليهم، وقيل إنها نزلت في غيرهم من المنافقين الذين كانوا معرضين للتوبة مع بنائهم مسجد الضرار، وعلى هذا يكون الذين اتخذوا بإسقاط واو العطف بدلا من آخَرُونَ، أو خبر ابتداء تقديره هم الذين، فالآية على هذا فيها ترج لهم واستدعاء إلى الإيمان والتوبة، وعَلِيمٌ معناه بمن يهدي إلى الرشد، وحَكِيمٌ فيما ينفذه من تنعيم من شاء وتعذيب من شاء لا رب غيره ولا معبود سواه، وقرأ عاصم وعوام القراء والناس في كل قطر إلا بالمدينة «والذين اتخذوا» ، وقرأ أهل المدينة نافع وأبو جعفر وشيبة وغيرهم «الذين اتخذوا» بإسقاط الواو، وكذلك في مصحفهم، قاله أبو حاتم، وقال الزهراوي: وهي قراءة ابن عامر وهي في مصاحف أهل الشام بغير واو، فأما من قرأ بالواو فذلك عطف على قوله وَآخَرُونَ أي ومنهم الذين اتخذوا، وأما من قرأ بإسقاطها فرفع الَّذِينَ بالابتداء.

واختلف في الخبر فقيل الخبر لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً [التوبة: ١٠٨] قاله الكسائي ويتجه بإضمار إما في أول الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>