للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف «يسيركم» ، قال سفيان بن أبي الزعل: كانوا يقرأون «ينشركم» فنظروا في مصحف ابن عفان فوجدوها «يسيركم» ، فأول من كتبها كذلك الحجاج، وقرأ ابن كثير في بعض طرقه «يسيركم» من أسار، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة «ينشركم» بفتح الياء وضم الشين من النشر والبث، وهي قراءة زيد بن ثابت والحسن وأبي العالية وأبي جعفر وعبد الله بن جبير بن الفصيح وأبي عبد الرحمن وشيبة، وروي عن الحسن أنه قرأ «ينشركم» بضم الياء وكسر الشين وقال: هي قراءة عبد الله، قال أبو حاتم: أظنه غلط، والْفُلْكِ جمع فلك وليس باسم واحد للجميع والفرد ولكنه فعل جمع على فعل، ومما يدل على ذلك قولهم فلكان في التثنية وقراءة أبي الدرداء وأم الدرداء «في الفلكي» على وزن فعليّ بياء نسب وذلك كقولهم أشقري وكدواري في دور الدهر وكقول الصلتان أنا الصلتاني، وقوله وَجَرَيْنَ علامة قليل العدد، وقوله بِهِمْ خروج من الحضور إلى الغيبة، وحسن ذلك لأن قولهم: كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ هو بالمعنى المعقول حتى إذا حصل بعضهم في السفن، و «الريح» إذا أفردت فعرفها أن تستعمل في العذاب والمكروه، لكنها لا يحسن في البحر أن تكون إلا واحدة متصلة لا نشرا، فقيدت المفردة «بالطيب» فخرجت عن ذلك العرف وبرع المعنى، وقرأ ابن أبي عبلة «جاءتهم ريح عاصف» ، والعاصف الشديدة من الريح، يقال: عصفت الريح، وقوله وَظَنُّوا على بابه في الظن لكنه ظن غالب مفزع بحسب أنه في محذور، وقوله دَعَوُا اللَّهَ أي نسوا الأصنام والشركاء وجردوا الدعاء لله، وذكر الطبري في ذلك عن بعض العلماء حكاية قول العجم:

هيا شراهيا ومعناه يا حي يا قيوم، قال الطبري: جواب قوله حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ: جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ، وجواب قوله: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ.

قوله عز وجل:

[[سورة يونس (١٠) : آية ٢٣]]

فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)

يَبْغُونَ: أي يفسدون ويكفرون، والبغي: التعدي والأعمال الفاسدة، ووكد ذلك بقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ، ثم ابتدأ بالرجز وذم البغي في أوجز لفظ، وقوله «متاع الحياة» رفع، وهذه قراءة الجمهور وذلك على خبر الابتداء، والمبتدأ بَغْيُكُمْ، ويصح أن يرتفع مَتاعَ على خبر ابتداء مضمر تقديره ذلك متاع أو هو متاع، وخبر «البغي» قوله عَلى أَنْفُسِكُمْ، وقرأ حفص عن عاصم وهارون عن ابن كثير وابن أبي إسحاق: «متاع» بالنصب وهو مصدر في موضع الحال من «البغي» ، وخبر البغي على هذا محذوف تقديره:

مذموم أو مكروه ونحو هذا، ولا يجوز أن يكون الخبر قوله عَلى أَنْفُسِكُمْ لأنه كان يحول بين المصدر وما عمل فيه بأجنبي، ويصح أن ينتصب مَتاعَ بفعل مضمر تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا، وقرأ ابن أبي إسحاق: «متاعا الحياة الدنيا» بالنصب فيهما، ومعنى الآية إنما بغيكم وإفسادكم مضر لكم وهو في حالة الدنيا ثم تلقون عقابه في الآخرة، قال سفيان بن عيينة: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي تعجل لكم عقوبته في الحياة الدنيا، وعلى هذا قالوا: البغي يصرع أهله.

<<  <  ج: ص:  >  >>