للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كوكب أو نحوه- زالت طريقة التفضيل، ولكن الظاهر هو ما ذكرنا.

وتَزْدَرِي أصله تزتري (تفتعل) من زرى يزري ومعنى تَزْدَرِي: تحتقر. و «الخير» هنا يظهر فيه أنه خير الآخرة، اللهم إلا أن يكون ازدراؤهم من جهة الفقر، فيكون الخير المال وقد قال بعض المفسرين: حيثما ذكر الله الخير في القرآن فهو المال.

قال القاضي أبو محمد: وفي هذا الكلام تحامل، والذي يشبه أن يقال: إنه حيثما ذكر الخير فإن المال يدخل فيه.

وقوله اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ تسليم لله تعالى، أي لست أحكم عليهم بشيء من هذا وإنما يحكم عليهم بذلك ويخرج حكمه إلى حيز الوجود، الله تعالى الذي يعلم ما في نفوسهم ويجازيهم بذلك، وقال بعض المتأولين: هي رد على قولهم: اتبعك أراذلنا على ما يظهر منهم.

قال القاضي أبو محمد: حسبما تقدم في بعض تأويلات تلك الآية آنفا، فالمعنى لست أنا أحكم عليهم بأن لا يكون لهم خير بظنكم بهم أن بواطنهم ليست كظواهرهم، الله عز وجل أعلم بما في نفوسهم، ثم قال: إِنِّي إِذاً لو فعلت ذلك لَمِنَ الظَّالِمِينَ الذين يضعون الشيء في غير موضعه.

وقوله: يا نُوحُ ... ، الآية معناه: قد طال منك هذا الجدال، وهو المراجعة في الحجة والمخاصمة والمقابلة بالأقوال حتى تقع الغلبة، وهو مأخوذ من الجدل وهو شدة الفتل ومنه: حبل مجدول، أي ممرّ، ومنه قيل للصقر أجدل لشدة بنيته وفتل أعضائه و «الجدال» فعال، مصدر فاعل، وهو يقع من اثنين، ومصدر فاعل يجيء على فعال وفيعال ومفاعلة، فتركت الياء من فيعال ورفضت. ومن الجدال ما هو محمود، وذلك إذا كان مع كافر حربي في منعته ويطمع في الجدال أن يهتدي، ومن ذلك هذه الآية، ومنه قوله تعالى: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: ١٢٥] إلى غير ذلك من الأمثلة. ومن الجدال ما هو مكروه، وهو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض في طلب علل الشرائع وتصور ما يخبر الشرع به من قدرة الله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكرهه العلماء، والله المستعان.

وقرأ ابن عباس «قد جادلتنا فأكثرت جدلنا» بغير ألف، وبفتح الجيم، ذكره أبو حاتم.

والمراد بقولهم ما تَعِدُنا العذاب والهلاك، والمفعول الثاني ل تَعِدُنا مضمر تقديره بما تعدناه.

ولما كان الكلام يقتضي العذاب جاز أن يستعمل فيه الوعد.

قوله عز وجل:

[سورة هود (١١) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]

قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)

المعنى: ليس ذلك بيدي ولا إلىّ توفيته، وإنما ذلك بيد الله وهو الآتي به إن شاء وإذا شاء، ولستم من

<<  <  ج: ص:  >  >>