للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ يريد إلا الله الراحم، ف مِنَ كناية عن اسم الله تعالى، المعنى: لا عاصم اليوم إلا الذي رحمنا ف مِنَ في موضع رفع، وقيل: قوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ استثناء منقطع كأنه قال: لا عاصم اليوم موجود، لكن من رحم الله موجود، وحسن هذا من جهة المعنى، أن نفي العاصم يقتضي نفي المعصوم. فهو حاصل بالمعنى. وأما من جهة اللفظ، ف مِنَ في موضع نصب على حد قول النابغة:

إلا الأواري. ولا يجوز أن تكون في موضع رفع على حد قول الشاعر: [الرجز] .

وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس

إذ هذان أنيس ذلك الموضع القفر، والمعصوم هنا ليس بعاصم بوجه، وقيل عاصِمَ معناه ذو اعتصام، ف عاصِمَ على هذا في معنى معصوم، ويجيء الاستثناء مستقيما، ومِنَ في موضع رفع، والْيَوْمَ ظرف، وهو متعلق بقوله: مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، أو بالخير الذي تقديره: كائن اليوم، ولا يصح تعلقه ب عاصِمَ لأنه كان يجيء منونا: لا عاصما اليوم يرجع إلى أصل النصب لئلا يرجع ثلاثة أشياء واحدا، وإنما القانون أن يكون الشيئان واحدا: لا وما عملت فيه، ومثال النحويين في هذه المسألة: لا أمرا يوم الجمعة لك، فإن أعلمت في يوم لك قلت: لا أمر.

وبَيْنَهُمَا يريد بين نوح وابنه، فكان الابن ممن غرق، وقوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ الآية، بناء الفعل للمفعول أبلغ في التعظيم والجبروت، وكذلك بناء الأفعال بعد ذلك في سائر الآية وروي أن أعرابيا سمع هذه الآية فقال: هذا كلام القادرين، و «البلع» هو تجرع الشيء وازدراده، فشبه قبض الأرض للماء وتسربه فيها بذلك، وأمرت بالتشبيه وأضاف الماء إليها إذ عليها وحاصل فيها، و «السماء» في هذه الآية، إما السماء المظلة، وإما السحب، و «الإقلاع» عن الشيء تركه، والمعنى: أقلعي عن الإمطار، وغِيضَ معناه نقص، وأكثر ما يجيء فيما هو بمعنى جفوف كقوله: وَغِيضَ الْماءُ، وكقوله: وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ [الرعد: ٨] وأكثر المفسرين على أن ذلك في الحيض، وكذلك قول الأسود بن يعفر:

ما غيض من بصري ومن أجلادي وذلك أن الإنسان الهرم إنما تنقصه بجفوف وقضافة وقوله وَقُضِيَ الْأَمْرُ إشارة إلى جميع القصة:

بعث الماء وإهلاك الأمم وإنجاء أهل السفينة. وروي أن نوحا عليه السّلام ركب في السفينة من عين وردة بالشام أول يوم من رجب، وقيل: في العاشر منه، وقيل: في الخامس عشر، وقيل: في السابع عشر، واستوت السفينة في ذي الحجة، وأقامت على الْجُودِيِّ شهرا، وقيل له: اهبط في يوم عاشوراء فصامه وصامه من معه من ناس ووحوش: وذكر الطبري عن ابن إسحاق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة، وذكر أيضا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجودي، فصامه نوح ومن معه» .

وروي أن نوحا لما طال مقامه على الماء بعث الغراب ليأتيه بخبر كمال الغرق فوجد جيفة طافية فبقي عليها فلم يرجع بخبر، فدعا عليه نوح فسود لونه وخوف من الناس، فهو لذلك مستوحش، ثم بعث نوح الحمام فجاءته بورق زيتونة في فمها ولم تجد ترابا تضع رجليها عليه، فبقي أربعين يوما ثم بعثها فوجدت الماء قد

<<  <  ج: ص:  >  >>