للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ الآية، تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم وذكر قصة موسى مثل له، أي لا يعظم عليك أمر من كذبك، فهذه هي سيرة الأمم، فقد جاء موسى، بكتاب فاختلف الناس عليه.

وقوله: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلى آخر الآية، يحتمل أن يريد به أمة موسى، ويحتمل أن يريد به معاصري محمد عليه السّلام وأن يعمهم اللفظ أحسن- عندي- ويؤكد ذلك قوله: وَإِنَّ كُلًّا و «الكلمة» هاهنا عبارة عن الحكم والقضاء والمعنى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لفصل بين المؤمن والكافر، بنعيم هذا وعذاب هذا.... ووصف «الشك» بالمريب تقوية لمعنى الشك.

وقرأ الكسائي وأبو عمرو: «وإنّ كلّا لما» بتشديد النون وتخفيف الميم من لَمَّا وقرأ ابن كثير ونافع بتخفيفهما، وقرأ حمزة بتشديدهما، وكذلك حفص عن عاصم وقرأ عاصم- في رواية أبي بكر- بتخفيف «إن» وتشديد الميم من «لمّا» وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم: «وإن كلّا لمّا» بتشديد الميم وتنوينها.

وقرأ الحسن بخلاف: «وإن كلّ لما» بتخفيف «إن» ورفع «كلّ» وشد «لمّا» وكذلك قرأ أبان بن تغلب إلا أنه خفف «لما» ، وفي مصحف أبيّ وابن مسعود «وإن كل إلا ليوفينهم» وهي قراءة الأعمش، قال أبو حاتم:

الذي في مصحف أبيّ: «وإن من كل إلا ليوفينهم أعمالهم» . فأما الأول ف «إن» فيها على بابها، و «كلّا» اسمها، وعرفها أن تدخل على خبرها لام. وفي الكلام قسم تدخل لامه أيضا على خبر «إن» فلما اجتمع لامان فصل بينهما ب «ما» - هذا قول أبي علي- والخبر في قوله لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، وقال بعض النحاة: يصح أن تكون «ما» خبر «إن» وهي لمن يعقل لأنه موضع جنس وصنف، فهي بمنزلة من، كأنه قال: وإن كلّا لخلق ليوفينهم ورجح الطبري هذا واختاره، اما أنه يلزم القول أن تكون «ما» موصوفة إذ هي نكرة، كما قالوا:

مررت بما معجب لك، وينفصل بأن قوله: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ يقوم معناه مقام الصفة، لأن المعنى: وإن كلّا لخلق موفى عمله، وأما من خففها- وهي القراءة الثانية في ترتيبنا فحكم «إن» وهي مخففة حكمها مثقلة، وتلك لغة فصيحة، حكى سيبويه أن الثقة أخبره: أنه سمع بعض العرب يقول: إن عمرا لمنطلق وهو نحو قول الشاعر:

ووجه مشرق النحر ... كأن ثدييه حقان

رواه أبو زيد.

ويكون القول في فصل «ما» بين اللامين حسبما تقدم، ويدخلها القول الآخر من أن تكون «ما» خبر «إن» وأما من شددهما أو خفف «إن» وشدد «الميم» ففي قراءتيهما إشكال، وذلك أن بعض الناس قال: إن «لما» بمعنى إلا، كما تقول: سألتك لما فعلت كذا وكذا بمعنى إلا فعلت قال أبو علي: وهذا ضعيف لأن «لما» هذه لا تفارق القسم، وقال بعض الناس: المعنى لمن ما أبدلت النون ميما، وأدغمت في التي بعدها فبقي «لمما» فحذفت الأولى تخفيفا لاجتماع الأمثلة، كما قرأ بعض القراء وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ [النحل: ٩٠] به بحذف الياء مع الياء وكما قال الشاعر:

وأشمت العداة بنا فأضحوا ... لدى يتباشرون بما لقينا

<<  <  ج: ص:  >  >>