للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك أيضا قول الشاعر: [الرجز]

قد رابني أن الكرى قد أسكتا ... ولو غدا يعني بنا لهيتا

أسكت: دخل في سكوت، و «هيت» معناه: قال: هيت، كما قالوا: أفف إذا قال: أف أف، ومنه سبح وكبر ودعدع إذ قال: داع داع.

والتاء على هذه اللغات كلها مبنية فهي في حال الرفع كقبل وبعد، وفي الكسر على الباب لالتقاء الساكنين، وفي حال النصب ككيف ونحوها قال أبو عبيدة: وهَيْتَ لا تثنى ولا تجمع، تقول العرب:

هَيْتَ لَكَ، وهيت لكما، وهيت لكم.

وقرأ هشام ابن عامر «هيت» ، بكسر الهاء والهمز، ضم التاء وهي قراءة علي بن أبي طالب، وأبي وائل، وأبي رجاء ويحيى، ورويت عن أبي عمرو، وهذا يحتمل أن يكون من هاء الرجل يهيء إذا أحسن هيئته- على مثال جاء يجيء- ويحتمل أن يكون بمعنى تهيأت، كما يقال: فئت وتفيأت بمعنى واحد، قال الله عز وجل: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ [النحل: ٤٨] وقال: حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات: ٩] .

وقرأ ابن أبي إسحاق- أيضا- «هيت» بتسهيل الهمزة من هذه القراءة المتقدمة. وقرأ ابن عباس- أيضا- «هيت لك» . وقرأ الحلواني عن هشام «هئت» بكسر الهاء والهمز وفتح التاء قال أبو علي: ظاهر أن هذه القراءة وهم، لأنه كان ينبغي أن تقول: هئت لي، وسياق الآيات يخالف هذا. وحكى النحاس: أنه يقرأ «هيت» بكسر الهاء وسكون الياء وكسر التاء. ومَعاذَ نصب على المصدر ومعنى الكلام أعوذ بالله.

ثم قال: إِنَّهُ رَبِّي فيحتمل أن يعود الضمير في إِنَّهُ على الله عز وجل، ويحتمل أن يريد العزيز سيده، أي فلا يصلح لي أن أخونه وقد أكرم مثواي وائتمنني، قال مجاهد، والسدي رَبِّي معناه سيدي، وقاله ابن إسحاق.

قال القاضي أبو محمد: وإذا حفظ الآدمي لإحسانه فهو عمل زاك، وأحرى أن يحفظ ربه.

ويحتمل أن يكون الضمير للأمر والشأن، ثم يبتدىء رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.

والضمير في قوله: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ مراد به الأمر والشأن فقط، وحكى بعض المفسرين: أن يوسف عليه الصلاة والسلام- لما قال: معاذ الله ثم دافع الأمر باحتجاج وملاينة، امتحنه الله تعالى بالهم بما هم به، ولو قال لا حول ولا قوة إلا بالله، ودافع بعنف وتغيير- لم يهم بشيء من المكروه.

وقرأ الجحدري «مثواي» وقرأها كذلك أبو طفيل وروي عن النبي عليه السّلام: «فمن تبع هداي» .

وقوله: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ الآية، لا شك أن «هم» زليخا كان في أن يواقعها يوسف، واختلف في «هم» يوسف عليه السلام، فقال الطبري: قالت فرقة: كان مثل «همها» ، واختلفوا كيف يقع من مثل يوسف وهو نبي؟ فقيل ذلك ليريه الله تعالى موقع العفو والكفاية، وقيل الحكمة في ذلك أن يكون مثالا للمذنبين

<<  <  ج: ص:  >  >>