للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خفض عطفا على الكتاب، فإن أردت مع ذلك ب الْكِتابِ القرآن، كانت «الواو» عطف صفة على صفة لشيء واحد، كما تقول: جاءني الظريف والعاقل، وأنت تريد شخصا واحدا، ومن ذلك قول الشاعر:

[المتقارب]

إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم

وإن أردت مع ذلك ب الْكِتابِ التوراة والإنجيل، فذلك بيّن، فإن تأولت مع ذلك المر حروف المعجم- رفعت قوله: الْحَقُّ على إضمار مبتدأ تقديره: هو الحق، وإن تأولتها كما قال ابن عباس ف الْحَقُّ خبر تِلْكَ ومن رفع الْحَقُّ بإضمار ابتداء وقف على قوله: مِنْ رَبِّكَ وباقي الآية ظاهر بين إن شاء الله.

وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها الآية، لما تضمن قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ توبيخ الكفرة، عقب ذلك بذكر الله الذي ينبغي أن يوقن به، ويذكر الأدلة الداعية إلى الإيمان به.

والضمير في قوله: تَرَوْنَها قالت فرقة: هو عائد على السَّماواتِ، ف تَرَوْنَها- على هذا- في موضع الحال، وقال جمهور الناس: لا عمد للسماوات البتة، وقالت فرقة: الضمير عائد على العمد، ف تَرَوْنَها- على هذا- صفة للعمد، وقالت هذه الفرقة: للسماوات عمد غير مرئية- قاله مجاهد وقتادة- وقال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم: أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض، والسماء عليها كالقبة.

قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، والحق أن لا «عمد» جملة، إذ العمد يحتاج إلى العمد ويتسلسل الأمر، فلا بد من وقوفه على القدرة، وهذا هو الظاهر من قوله تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الحج: ٦٥] ونحو هذا من الآيات، وقال إياس بن معاوية: السماء مقببة على الأرض مثل القبة.

وفي مصحف أبيّ: «ترونه» بتذكير الضمير، و «العمد» : اسم جمع عمود، والباب في جمعه:

«عمد» - بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل، وشهاب وشهب وغيره، ومن هذه الكلمة قول النابغة:

[البسيط]

وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفّاح والعمد

وقال الطبري: «العمد» - بفتح العين- جمع عمود، كما جمع الأديم أدما.

قال القاضي أبو محمد: وليس كما قال، وفي كتاب سيبويه: إن الأدم اسم جمع، وكذلك نص اللغويون على العمد، ولكن أبا عبيدة ذكر الأمر غير متيقن فاتبعه الطبري.

وقرأ يحيى بن وثاب «بغير عمد» بضم العين والميم.

وقوله: ثُمَّ هي- هنا- لعطف الجمل لا للترتيب، لأن الاستواء على العرش قبل «رفع

<<  <  ج: ص:  >  >>