للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله: قُلْ، وذلك أن يجعل قُلْ في هذه الآية بمعنى: بلغ وأد الشريعة يقيموا الصلاة، وهذا كله على أن المقول هو: الأمر بالإقامة والإنفاق. وقيل إن المقول هو: الآية التي بعد، أعني قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ.

و «السر» : صدقة التنفل، و «العلانية» المفروضة- وهذا هو مقتضى الأحاديث- وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملا، وكذلك فسر الصلاة بأنها الخمس- وهذا منه- عندي- تقريب للمخاطب.

وخِلالٌ مصدر من خالل: إذا واد وصافى، ومنه الخلة والخليل وقال امرؤ القيس: [الطويل]

صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ... ولست بمقلي الخلال ولا قال

وقال الأخفش: «الخلال» جمع خلة.

وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: «لا بيع ولا خلال» بالرفع على إلغاء «لا» وقرأ أبو عمرو والحسن وابن كثير: «لا بيع ولا خلال» بالنصب على التبرية، وقد تقدم هذا. والمراد بهذا اليوم يوم القيامة.

وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ الآية، تذكير بآلاء الله، وتنبيه على قدرته التي فيها إحسان إلى البشر لتقوم الحجة من جهتين.

واللَّهُ مبتدأ، والَّذِي خبره. ومن أخبر بهذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق.

والسَّماواتِ هي الأرقعة السبعة والسماء في قوله، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ [البقرة: ٢٢] السحاب.

وقوله: مِنَ الثَّمَراتِ يجوز أن تكون مِنَ للتبعيض، فيكون المراد بعض جني الأشجار، ويسقط ما كان منها سما أو مجردا للمضرات، ويجوز أن تكون مِنَ لبيان الجنس، كأنه قال: فأخرج به رزقا لكم من الثمرات، وقال بعض الناس: مِنَ زائدة- وهذا لا يجوز عند سيبويه لكونها في الواجب ويجوز عند الأخفش.

والْفُلْكَ جمع فلك- وقد تقدم القول فيه مرارا- وقوله: بِأَمْرِهِ مصدر من أمر يأمر، وهذا راجع إلى الكلام القائم بالذات، كقول الله تعالى للبحار والأرض وسائر الأشياء، كن- عند الإيجاد- إنما معناه: كن بحال كذا وعلى وتيرة كذا، وفي هذا يندرج جريان الفلك وغيره. وفي «تسخير الفلك» ينطوي تسخير البحر وتسخير الرياح، وأما «تسخير الأنهار» فتفجرها في كل بلد، وانقيادها للسقي وسائر المنافع.

ودائِبَيْنِ معناه: متماديين ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل الذي بكى وأجهش عليه: «إن هذا الجمل شكى إلي أنك تجيعه وتديبه» ، أي تديمه في الخدمة والعمل- وظاهر الآية أن معناه: دائبين في الطلوع والغروب وما بينهما من المنافع للناس التي لا تحصى كثرة. وحكى الطبري عن مقاتل بن حيان يرفع إلى ابن عباس أنه قال: معناه: دائبين في طاعة الله- وهذا قول إن كان يراد به- أن الطاعة انقياد منهما في التسخير، فذلك موجود في قوله: سَخَّرَ وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر، فهذا جيد، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>