للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأ أبو حيوة «ونبهم» بضم الهاء من غير همز، وهذا ابتداء قصص بعد انصرام الغرض الأول، وضَيْفِ مصدر وصف به فهو للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد كعدل وغيره، قال النحاس وغيره: التقدير عن أصحاب ضيف.

قال القاضي أبو محمد: ويغني عن هذا أن هذا المصدر عومل معاملة الأسماء كما فعل في رهن ونحوه، والمراد ب «الضيف» هنا الملائكة الذين جاؤوا لإهلاك قوم لوط وبشروا إبراهيم، وقد تقدم قصصهم. وقوله سَلاماً مصدر منصوب بفعل مضمر تقديره سلمنا أو نسلم سلاما، والسلام هنا التحية، وقوله سَلاماً حكاية قولهم فلا يعمل القول فيه، وإنما يعمل إذا كان ما بعده ترجمة عن كلام ليس يحكى بعينه كما تقول لمن قال لا إله إلا الله قلت حقا ونحو هذا وقوله إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ أي فزعون، وإنما وجل إبراهيم عليه السلام منهم لما قدم إليهم العجل الحنيذ فلم يرهم يأكلون، وكانت عندهم العلامة المؤمنة أكل الطعام، وكذلك هو في غابر الدهر أمنة للنازل والمنزول به، وقرأ الجمهور «لا توجل» مستقبل وجل، وقرأ الحسن «لا تؤجل» بضم التاء على بناء الفعل للمفعول من أوجل، لأن وجل لا يتعدى، وكانت هذه البشارة بإسحاق، وذلك بعد مولد إسماعيل بمدة، وقول إبراهيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [إبراهيم: ٣٩] وليس يقتضي أنهما حينئذ وهبهما بل قبل الحمد بكثير. وقرأ الجمهور «أبشرتموني» بألف الاستفهام، وقرأ الأعرج «بشرتموني» بغير ألف. وقوله: عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ، أي في حالة قد مسني فيها الكبر، وقرأ ابن محيصن «الكبر» بضم الكاف وسكون الباء، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «تبشرون» بفتح النون التي هي علامة الرفع، والفعل على هذه القراءة غير معدى، وقرأ الحسن البصري «تبشروني» بنون مشددة وياء، وقرأ ابن كثير بشد النون دون ياء، وهذه القراءة أدغمت فيها نون العلامة في النون التي هي للمتكلم موطئة للياء، وقرأ نافع «تبشرون» بكسر النون، وغلط أبو حاتم نافعا في هذه القراءة، وقال إن شاهد الشعر في هذا اضطرار.

قال القاضي أبو محمد: وهذا حمل منه، وتقدير هذه القراءة أنه حذفت النون التي للمتكلم وكسرت النون التي هي علامة الرفع بحسب الياء، ثم حذفت الياء لدلالة الكسرة عليها، ونحو هذا قول الشاعر أنشده سيبويه: [الوافر]

تراه كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني

ومنه قول الآخر:

أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني

ومن حذف هذه النون قول الشاعر:

قدني من نصر الخبيبين قدي يريد عبد الله ومصعبا ابني الزبير، وكان عبد الله يكنى أبا خبيب، وقرأ الحسن «فبم تبشرون» بفتح

<<  <  ج: ص:  >  >>