للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا محالة، وقالت فرقة: معناها حق أن الله، ومذهب سيبويه أن لا، نفي لما تقدم من الكلام، وجَرَمَ معناه حق ووجب، ونحو هذا، هذا هو مذهب الزجاج، ولكن مع مذهبهما لا ملازمة ل جَرَمَ لا تنفك هذه من هذه، وفي جَرَمَ لغات قد تقدم ذكرها في سورة هود، وأنشد أبو عبيدة: / جرمت فزارة/ وقال معناها حقت عليهم وأوجبت أن يغضبوا، وأَنَّ على مذهب سيبويه فاعلة ب جَرَمَ، وقرأ الجمهور «أن» ، وقرأ عيسى الثقفي «إن» بكسر الألف على القطع، قال يحيى بن سلام والنقاش: المراد هنا بما يسرون مشاورتهم في دار الندوة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ عام في الكافرين والمؤمنين، فأخذ كل واحد منهم بقسطه، وفي الحديث «لا يدخل الجنة وفي قلبه مثقال حبة من كبر» ، وفيه «أن الكبر منع الحق وغمص الناس» . ويروى عن الحسن بن علي أنه كان يجلس مع المساكين ويحدثهم، ثم يقول إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وروي في الحديث «أنه من سجد لله سجدة من المؤمنين فقد برىء من الكبر» . وقوله وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ الآية، الضمير في لَهُمْ لكفار مكة، ويقال إن سبب الآية كان النضر بن الحارث، سافر عن مكة إلى الحيرة وغيرها، وكان قد اتخذ كتب التواريخ والأمثال ككليلة ودمنة، وأخبار السندباد، ورستم، فجاء إلى مكة، فكان يقول: إنما يحدث محمد بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه، وقوله ماذا يجوز أن تكون «ما» استفهاما، و «ذا» بمعنى الذي، وفي أَنْزَلَ ضمير عائد، ويجوز أن يكون «ما» و «ذا» اسما واحدا مركبا، كأنه قال: أي شيء وقوله أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ليس بجواب على السؤال لأنهم لم يريدوا أنه نزل شيء ولا أن تم منزلا، ولكنهم ابتدوا الخبر بأن هذه أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وإنما الجواب على السؤال، قول المؤمنين في الآية المستقبلة خَيْراً [النحل: ٣٠] وقولهم: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ إنما هو جواب بالمعنى، فأما على السؤال وبحسبه فلا، واللام في قوله لِيَحْمِلُوا يحتمل أن تكون لام العاقبة لأنهم لم يقصدوا بقولهم أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «ليحملوا الأوزار» ، ويحتمل أن يكون صريح لام كي، على معنى قدر هذا، ويحتمل أن تكون لام الأمر، على معنى الحتم عليهم بذلك، والصغار الموجب لهم، و «الأوزار» الأثقال، وقوله وَمِنْ للتبعيض، وذلك أن هذا الواهن المضل يحمل وزر نفسه كاملا ويحمل وزرا من وزر كل مضل بسببه ولا تنقص أوزار أولئك، وقوله بِغَيْرِ عِلْمٍ يجوز أن يريد بها المضل أي أضل بغير برهان قام عنده، ويجوز أن يريد بِغَيْرِ عِلْمٍ من المقلدين الذين يضلون، ثم استفتح الله تعالى الإخبار عن سوء ما يتحملونه للآخرة، وأسند الطبري وغيره في معنى هذه الآية حديثا، نصه «أيما داع دعا إلى ضلالة فإن عليه مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء، وأيما داع دعا إلى الهدى فاتبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء» وساءَ فعل مسند إلى ما، ويحتاج في ذلك هنا إلى صلة.

قوله عز وجل:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>