للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهة الهزء، فذهب أبو إسحاق رحمه الله والله أعلم إلى أن الطائفة التي لا تقول بإله ثم أقامت الحجة من مذهب خصمها كأنها مستهزئة في ذلك، وهذا جدل محض، والرد عليه كما ذكرناه وقوله فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ يشير إلى ما ذكرناه، وقولهم وَلا حَرَّمْنا يريدون البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك مما شرعوه، وأخبر الله تعالى أن هذه النزعة قد سبقهم الأولون من الكفار إليها، كأنه قال: والأمر ليس على ما ظنوه من أن الله تعالى إذا أراد الكفر لا يأمر بتركه، بل قد نصب الله لعباده الأدلة وأرسل الرسل منذرين وليس عليهم إلا البلاغ.

قوله عز وجل:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]

وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨)

لما أشار قوله تعالى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل: ٣٥] إلى إقامة الحجة حسبما ذكرناه، بين ذلك في هذه الآية، أي إنه بعث الرسل آمرا بعبادته وتجنب عبادة غيره، والطَّاغُوتَ في اللغة كل ما عبد من دون الله من آدمي راض بذلك، أو حجر أو خشب، ثم أخبر أن منهم من اعتبر وهداه الله ونظر ببصيرته، ومنهم أيضا من أعرض وكفر ف حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ، وهي مؤدية إلى النار حتما، ومنه من أدته إلى عذاب الله في الدنيا، ثم أحالهم في علم ذلك على الطلب في الأرض واستقراء الأمم والوقوف على عواقب الكافرين المكذبين، وقوله إِنْ تَحْرِصْ الآية، الحرص أبلغ الإرادة في الشيء، وهذه تسلية للنبي عليه السلام أي إن حرصك لا ينفع، فإنها أمور محتومة، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وشبل ومزاحم الخراساني وأبو رجاء العطاردي وابن سيرين «لا يهدى» بضم الياء وفتح الدال، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «لا يهدي» بفتح الياء وكسر الدال، وهي قراءة ابن المسيب وابن مسعود وجماعة، وذلك على معنيين أي إن الله لا يهدي من قضى بإضلاله، والآخر أن العرب تقول هدي الرجل بمعنى اهتدى حكاه الفراء وفي القرآن لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى [يونس: ٣٥] وجعله أبو علي وغيره بمعنى يهتدي، وقرأت فرقة «إن الله لا يهدي» بفتح الياء وكسر الهاء والدال، وقرأت فرقة «إن الله لا يهدي» بضم الياء وكسر الدال، وهي ضعيفة، وفي مصحف أبي بن كعب، «إن الله لا هادي لمن أضل» ، قال أبو علي: الراجع إلى اسم إِنْ مقدر في يُضِلُّ على كل قراءة إلا على قراءة من قرأ «يهدي» بفتح الياء وكسر الدال بمعنى يهدي الله، فإن الراجع مقدر في «يهدي» ، وقوله وَما لَهُمْ ضمير على معنى «من» ، وتقول العرب حرص يحرص وحرص يحرص والكسر في المستقبل هي لغة أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>