للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغموم سواد وربدة وتذهب شراقته، فلذلك يذكر له السواد، وكَظِيمٌ بمعنى كاظم كعليم وعالم، والمعنى أنه يخفي وجده وهمه بالأنثى، وقوله يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ الآية، هذا التواري الذي ذكر الله تعالى إنما هو بعد البشارة بالأنثى، وما يحكى أن الرجل منهم كان إذا أصاب امرأته الطلق توارى حتى يخبر بأحد الأمرين، فليس المراد في الآية، ويشبه أن ذلك كان إذا أخبر بسارّ خرج، وإن أخبر بسوء بقي على تواريه ولم يحتج إلى إحداثه، ومعنى يَتَوارى يتغيب، وتقدير الكلام يتوارى من القوم مدبرا أَيُمْسِكُهُ أَمْ يَدُسُّهُ؟ وقرأت فرقة «أيمسكه» على لفظ «ما أم يدسها» على معنى الأنثى، وقرأ الجحدري «أيمسكها أم يدسها» على معنى الأنثى في الموضعين، وقرأ الجمهور «على هون» بضم الهاء، وقرأ عيسى بن عمر «على هوان» ، وهي قراءة عاصم الجحدري، وقرأ الأعمش «على سوء» ، ومعنى الآية يدبر أيمسك هذه الأنثى على هوان يتحمله وهم يتجلد له، أم يدسها فيدفنها حية، فهو الدس في التراب، ثم استفتح تعالى بالإخبار بسوء حكمهم وفعلهم بهذا في بناتهم ورزق الجميع على الله.

قوله عز وجل:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٠ الى ٦٢]

لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)

قالت فرقة مَثَلُ في هذه الآية بمعنى صفة، أي لهؤلاء صفة السوء ولله الوصف الأعلى.

قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يضطر إليه، لأنه خروج عن اللفظ، بل قوله مَثَلُ على بابه، وذلك أنهم إذا قالوا إن البنات لله فقد جعلوا له مثلا أبا البنات من البشر، وكثرة البنات عندهم مكروه ذميم، فهو مثل السوء الذي أخبر الله تعالى أنه لهم ليس في البنات فقط، لكن لما جعلوه هم في البنات جعله هو لهم على الإطلاق في كل سوء، ولا غاية أبعد من عذاب النار، وقوله وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى على الإطلاق أيضا في الكمال المستغني، وقال قتادة: الْمَثَلُ الْأَعْلى لا إله إلا الله، وباقي الآية بين، وقوله وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ

الآية، وآخذ هو تفاعل من أخذ، كأن أحد المتؤاخذين يأخذ من الآخر، إما بمعصية كما هي في حق الله تعالى، أو بإذاية في جهة المخلوقين، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء، وهي لغتان وأخذ وآخذ، ويُؤاخِذُ يصح أن يكون من آخذ، وأما كونها من واخذ فبين، والضمير في عَلَيْها عائد على الأرض، وتمكن ذلك مع أنه لم يجر لها ذكر لشهرتها، وتمكن الإشارة لها كما قال لبيد في الشمس:

حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجنّ عورات البلاد ظلامها

ومنه قول تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: ٣٢] ولم يجر للشمس ذكر، وقوله مِنْ دَابَّةٍ دخلت مِنْ لاستغراق الجنس، وظاهر الآية أن الله تعالى أخبر أنه لو أخذ الناس بعقاب يستحقونه

<<  <  ج: ص:  >  >>